فيكون الدلالة على المفهوم في كل مقام على حسب مقتضاه. وهذا المفهوم مما لا شك في ثبوته بعد إثبات معنى الحصر بصريح لفظه أو ظاهره عن غير الموضوع المذكور، فإنه لازم بين لمعنى الحصر لا ينفك تصوره عنه. وكأنه لذا لم يتعرض المصنف له ولما قبله، إذ بعد فرض الحصر لا مجال للكلام في مدلوله، إلا أن جماعة منهم زعموا اندراجه في المنطوق. فإن أرادوا أن معنى الحصر مدلول اللفظ المنطوق به من غير واسطة، كما أن معنى الشرط والغاية مدلول عليهما بحرفي " إن " و " إلى " كذلك فهو أمر واضح، سواء كان الدال عليه اسما كلفظ " الحصر " و " القصر " أو حرفا كلفظ " إنما " أو هيئة كتقديم الوصف العام المعرف على الموصوف الخاص [ولا يلزم منه خروج ما يلزمه من الحكم من الحكم المذكور] (1) وذلك أن شيئا من موضوع الحكم المذكور ومحموله لم يقع في محل النطق.
وبالجملة: وإن زعموا أن انتفاء الحكم من غير المذكور من المنطوق به ففيه اشتباه اللازم بالملزوم، وعليهما مدار المنطوق والمفهوم، كما في الشرط والغاية وغيرهما، فإن دلالة اللفظ عليها بالمنطوق وعلى لازمها بالمفهوم كما قد يقع التصريح بالشرط أيضا في قولك: يجب الصيام بشرط البلوغ والعقل.
وزعم جدي الفقيه (قدس سره) (2) أنه لو صرح بالحصر أو الشرط أو الغاية أو البداية أو العلة أو غيرها عاد (3) من المنطوق، وأن المعتبر في تلك المفاهيم أن يكون الدال عليها صيغة تفيدها على نحو المفهوم. والوجه فيه غير معلوم، إذ التفرقة بين كون الدال عليها نصا أو ظاهرا أو حقيقة أو مجازا أو اسما أو حرفا أو وصفا كما ترى.
وغاية ما يوجه به: أن الدال عليها إن كان من الأسماء كان مدلولها منطوقا، لتضمنها معنى الانتفاء المقصود في المقام، سواء كان على وجه الحقيقة أو المجاز