دلالته عليه إنما تكون بحسب المعنى المفهوم منه بعد ملاحظة قرائن المقام، فحمل المثال على ذلك إنما يكون بعد تخصيصه بما يصلح أن يحمل عليه زيد، وهو الكامل في العلم على وجه تصوره المخاطب وتوهمه وأنت تعلم ذلك فتخبر عنه بأنه زيد، ولا منافاة في ذلك للدلالة على الحصر.
السابع: أنه لو لم يدل على الحصر لكان الخروج فيه عن الوضع المألوف والعدول عن الترتيب المعروف إلى غيره خاليا عن الفائدة، والوجه في مخالفته للترتيب ظاهر، لأن العالم في المثال إن كان خبرا فتقديمه على المبتدأ خلاف الأصل فيفيد الحصر، كما في قوله تعالى: * (إياك نعبد وإياك نستعين) *. وإن كان مبتدأ كان الوصف محمولا عليه واسم الذات محمولا، وهو أيضا خلاف الأصل، كما مرت الإشارة إليه.
وفيه: أن مخالفة الترتيب المعهود إنما يقع لنكتة وفائدة ما، ولا ينحصر في إرادة الحصر، لإمكان ابتنائه على فوائد اخر، كمزيد الاهتمام، أو ملاحظة الأدب والاحترام، أو إرادة التبرك بتقديمه، أو حصول الالتذاذ بذكره فترتاح النفس بالابتداء به، أو موافقة المخاطب في كلامه، إلى غير ذلك.
نعم، إذا فرض انحصار الفائدة في ما ذكر أو ظهوره من الكلام أو من قرائن المقام تمت الدلالة عليه، وقد ظهر بما مر ضعف حجة النافي - وهو دعوى التسوية بين تقديم الوصف في الأمثلة المذكورة وتأخيره - مع دعوى الاتفاق على عدم إفادة الحصر في الثاني، فكذا الأول، وذلك لوضوح تطرق المنع إلى كل واحدة من المقدمتين.
أما الأولى فلأن بعض الوجوه السابقة وإن كان مشتركا بين القسمين إلا أن بعضها مما يختص بصورة التقديم كما عرفت، فلا يلزم الحكم بتساويهما وإن كان هو الصواب.
وأما الثانية فلأن الاتفاق إن لم ينعقد على إفادة الحصر كما ادعاه بعضهم فلا اتفاق على خلافه قطعا، وكأن تقييد العنوان في كلامهم بالتقديم بيان لأظهر القسمين، فإن كثيرا منهم قد صرحوا بعدم الفرق ووافقوا القوم في العنوان.