إذا عرفت ذلك فنقول: احتج المثبتون بوجوه:
الأول: التبادر، فإن المفهوم من الأمثلة المذكورة وأمثالها هو الحصر والقصر، حيث لا يكون هناك عهد ينصرف إليه اللفظ، من غير فرق بين التقديم والتأخير، ولا بين الوصف واسم الجنس، كما في قولك: " الصديق زيد " و " زيد الصديق " و " الرجل بكر " و " بكر الرجل ".
ويؤيده: أنه قد يؤكد الحكم بلفظ " الكل " كما في قولك: أنت الرجل كل الرجل، أي الكامل في الرجولية بصفاتها وآثارها، كما قال الشاعر:
هم القوم كل القوم يا أم خالد...
فيكون الأول مفيدا لمعنى الثاني، إلا أن الثاني أصرح، فتقييد العنوان بتقديم الوصف لبيان أظهر الفردين في إفادة الحصر، لاشتماله على تقديم ما حقه التأخير أيضا، أو للجمع بين وجهي الدلالة.
وقد يفرق به في أصل الدلالة في بعض المقامات، كما في قولك: " صديقي زيد " و " زيد صديقي " و " إياك نعبد " و " نعبدك ".
الثاني: أن التفتازاني نفى الخلاف بين علماء المعاني في إفادة الحصر إذا عرف المبتدأ بحيث يكون ظاهرا في العموم، وجعل الخبر ما هو أخص منه بحسب المفهوم، ومثل: " العالم زيد " و " الرجل بكر " و " صديقي عمرو " و " الكرم في العرب " تمسكا باستعمال الفصحاء، وفي عكسه أيضا مثل: زيد العالم. قال صاحب المفتاح (1): المنطلق زيد أو زيد المنطلق، كلاهما يفيد حصر الانطلاق في زيد. لكن حكى عن المنطقيين أنهم يجعلونه في قوة الجزئية، أي بعض المنطلق زيد أخذا بالأقل المتيقن على ما هو قانون الاستدلال، وذلك لا يقدح في الاتفاق المذكور، فإن اتفاق علماء المعاني حجة في المقام، وحكايته من مثل التفتازاني مسموعة، لأنه من أئمة هذا الفن.