الأولين أيضا يمكن أن تكون وضعية فتكون مستندة إلى وضع الأداة لما يفيد ذلك، لوضوح أنه لا تأثير لوضع مدخولها في الدلالة على ذلك. ويمكن أن تكون مبنية على دعوى انصراف اللفظ إلى أحد المعنيين، أو ظهوره فيه من غير أن تكون مستندة إلى نفس الوضع اللغوي.
هذا، وفي المسألة احتمال آخر، وهو التفصيل بين الجزء والكل، فيقال بالدلالة على دخول البعض دون الكل، حيث يكون أحد الحدين مركبا قابلا للتجزئة، وإلا فيدخل.
ولا يخفى أن القول بدخول البعض يتوجه في مقامين:
أحدهما: فيما إذا توقف العلم باستيعاب ما بين الحدين على إدخال البعض من باب المقدمة، كالسعي في ما بين الصفا والمروة، فيرجع إلى القول بالخروج، لوضوح أن المقدمة خارجة عن ذي المقدمة.
والآخر: فيما إذا كان مدخول الحرفين مشتركا بين الكل والبعض، فيصدق بإدخال البعض ويرجع إلى القول بالدخول.
حجة القول بالخروج مطلقا وجوه:
منها: أنه المتبادر من إطلاق اللفظ حيث لا يكون هناك قرينة على أحد الأمرين، ويصح سلبه عن المعنى الآخر، فإن السير في الكوفة ليس سيرا إلى الكوفة قطعا، وكذلك الصوم في الليل ليس صوما إلى الليل قطعا، ويرشد إليه صدق الامتثال للأمر المحدود مع الاقتصار على ما بين الحدين.
وفيه: أن صدق الامتثال يمكن أن يكون من جهة كونه القدر المتيقن من الخطاب، لا من جهة الدلالة على خصوص ما يفيد الخروج.
ومنها: أن ذلك مختار أكثر النحاة والأصوليين، فإن حكاية الشهرة عليه مستفيضة في كلمات الفريقين، ولا ريب أنه يفيد الظن بالوضع، أو المراد من اللفظ سيما مع شذوذ القول بالدخول كما نص عليه بعضهم.
وفيه ما عرفت من أن كلمات القوم لا تأبى عن إرادة الاقتصار على المتيقن في الحكم، فلا تدل على إرادة خصوص المعنى المذكور.