نعم ربما يقرب وجود القائل، ويرفع الاستبعاد المذكور ما عزاه جماعة منهم الإمام والآمدي والعلامة (رحمه الله) إلى غلاة الواقفية من توقفهم في الحكم بالامتثال مع المبادرة أيضا، لجواز أن يكون غرض الآمر هو التأخير، فإذا جاز التوهم المذكور فلا استبعاد في ذهاب أحد إلى وجوبه أيضا، بل وفي ما ذكر إشعار بوجود القائل به، إذ لو اتفقت الكلمة من الكل على الحكم بالامتثال مع التعجيل لم يحتمل الوجه المذكور حتى يصح التوقف فيه لكن نص في الإحكام والنهاية بأن المتوقف المذكور خالف إجماع السلف.
وكيف كان فلو ثبت القول المذكور فهو مقطوع الفساد، إذ كون أداء المأمور به على وجه الفور قاضيا بأداء الواجب مما يشهد به الضرورة بعد الرجوع إلى العرف، فهذا القول على فرض ثبوت القول المذكور ينحل إلى قولين ويقوم فيه وجوه عديدة حسب ما أشرنا.
ثم إن مقصود القائل بجواز التراخي أن الصيغة بنفسها دالة على جواز التأخير، ما حسب نص عليه غير واحد منهم ويقتضيه ظاهر التقابل بين الأقوال، وإلا فعلى القول بدلالته على طلب مطلق الطبيعة - كما سيجئ الإشارة إليه - يفيد ذلك جواز التراخي أيضا من جهة الإطلاق أو بضميمة الأصل، ولو كان مراد القائل بجواز التراخي ما يعم ذلك لاتحد القولان.
ثالثها: أنه حقيقة لغة في طلب مطلق الطبيعة من غير دلالة في الصيغة على الفور ولا التراخي، فإذا أتى به على أي من الوجهين كان ممتثلا من غير فرق، وهذا هو الذي اختاره المحقق والعلامة والسيد العميدي وأطبق عليه المتأخرون كالشهيدين والمصنف وشيخنا البهائي وتلميذه الجواد وغيرهم واختاره جماعة من محققي العامة كالرازي والآمدي والحاجبي والعضدي.
وقد ذهب بعض القائلين به إلى حمل الأوامر الشرعية على الفور، لقيام القرائن العامة عليه في الشرع، وبعضهم إلى انصراف إطلاق الطلب إليه من غير وضعه له وقد أشرنا إليه في القائلين بالفور.