ثم إن الظاهر من بعضهم - كما يظهر عن بعض الأدلة الآتية - دلالته عليه بالوضع. وذهب بعضهم إلى دلالته عليه من جهة انصراف الإطلاق إليه ومدلوله بحسب الوضع هو طلب مطلق الطبيعة. وذهب بعضهم إليه من جهة قيام القرائن العامة عليه.
وهل يكون الفور حينئذ واجبا أولا؟ فإذا أخر وعصى سقط الفور وبقي وجوب الفعل على إطلاقه من غير لزوم التعجيل فلا يعصى بالتأخير إلى الزمان الثالث وما بعده، أو أنه يجب التعجيل أيضا فيعصي بالتأخير إلى الثالث ومنه إلى الرابع وهكذا؟ قولان محكيان. وهناك قول ثالث وهو سقوط الفعل بالتأخير عن الأول، كما سيشير إليه المصنف.
فهذه أقوال تسعة في القول بالفور، ولكن يقوم الاحتمال فيه بما يزيد على ذلك كثيرا، كما يظهر من ملاحظة الاحتمالات بعضها مع بعض.
ثانيها: القول بدلالته على التراخي، ذهب إليه جماعة من العامة، وحكي القول به عن الجبائيين والشافعية والقاضي أبي بكر وجماعة من الأشاعرة وأبي الحسين البصري.
والمراد بالتراخي هو ما يقابل القول بالفور على أحد الوجوه الأربعة المتقدمة دون الوجه الخامس، لما عرفت، وقد عرفت أن ذلك لم يكن تحديدا لمفاد الفورية حتى يقابله التراخي.
ثم إن المقصود به جواز التراخي بأن يكون مفاد الصيغة جواز التأخير دون وجوبه إذ لا قائل ظاهرا بدلالته على وجوبه.
نعم ربما يحكى هناك قول بوجوب التراخي، حكاه شارح الزبدة عن بعض شراح المنهاج قولا للجبائيين وبعض الأشاعرة، لكن المعروف عن الجبائيين القول بجواز التراخي وهو المحكي أيضا عن الشافعية.
فالقول المذكور مع وهنه جدا - حيث لا يظن أن عاقلا يذهب إليه - غير ثابت الانتساب إلى أحد من أهل الأصول.