فيستحيل مسارعة العبد إليها، وحينئذ فتجب المسارعة إلى فعل المأمور به. وقوله تعالى: * (فاستبقوا الخيرات) * فإن فعل المأمور به من الخيرات، فيجب الاستباق إليه. وإنما يتحقق المسارعة والاستباق بأن يفعل بالفور.
وأجيب: بأن ذلك محمول على أفضلية المسارعة والاستباق، لا على وجوبهما، وإلا لوجب الفور، فلا يتحقق المسارعة والاستباق، لأ نهما إنما يتصوران في الموسع دون المضيق، ألا ترى أنه لا يقال لمن قيل له " صم غدا " فصام: " إنه سارع إليه واستبق ". والحاصل: أن العرف قاض بأن الإتيان بالمأمور به في الوقت الذي لا يجوز تأخيره عنه لا يسمى مسارعة واستباقا، فلا بد من حمل الأمر في الآيتين على الندب، وإلا لكان مفاد الصيغة فيهما منافيا لما تقتضيه المادة. وذلك ليس بجائز فتأمل!.
الخامس: أن كل مخبر كالقائل: " زيد قائم، وعمرو عالم " وكل منشئ كالقائل: " هي طالق، وأنت حر " إنما يقصد الزمان الحاضر.
فكذلك الأمر، إلحاقا له بالأعم الأغلب.
وجوابه: أما أولا فبأنه قياس في اللغة، لأ نك قست الأمر في إفادته الفور على غيره من الخبر والإنشاء، وبطلانه بخصوصه ظاهر. وأما ثانيا فبالفرق بينهما بأن الأمر لا يمكن توجهه إلى الحال، إذ الحاصل لا يطلب، بل الاستقبال، إما مطلقا، وإما الأقرب إلى الحال الذي هو عبارة عن الفور، وكلاهما محتمل، فلا يصار إلى الحمل على الثاني إلا لدليل.
السادس: أن النهي يفيد الفور، فيفيده الأمر، لأنه طلب مثله.
وأيضا الأمر بالشئ نهي عن أضداده، وهو يقتضي الفور بنحو ما مر في التكرار آنفا.