الأمر حتى يقال: بدلالتها على الدوام، والقدر المسلم من حصول معنى النهي فيه هو طلب ترك الضد على نحو الطلب المتعلق بالفعل، فإن كان الطلب الحاصل في الأمر للدوام كان النهي عن ضده كذلك وإلا فلا، فلا يتجه الاحتجاج إلا أن يقال:
إن قضية القول بكون الأمر بالشئ مقتضيا للنهي عن ضده أن مقتضى الأمر حصول ما يقتضيه لفظ النهي المتعلق بضده، فيكون دلالتها على مطلوبية ترك الضد على سبيل الدوام اللازمة للأمر - على حسب ما يدعيه - كاشفا عن كون طلب الفعل أيضا كذلك، فإذا سلم هذا الاقتضاء تم المدعى.
والجواب عنه منع هذا الاقتضاء، فإن غاية ما يسلم من ذلك دلالته على النهي عن ضده على نحو الطلب الحاصل في الأمر حسب ما ذكرنا.
فإن قلت بتبعية النهي للأمر حسب ما ذكره المصنف مما لا كلام فيه، لوضوح أنه إذا تعلق الأمر بفعل دائما قضي بكون النهي عنه كذلك، وإن كان مرة كان النهي عنه كذلك، لكن نقول: إن قضية ذلك كون الأمر المتعلق بطبيعة الفعل قاضيا بتعلق النهي أيضا بطبيعة ضده وقضية النهي المتعلق بالطبيعة هو الدوام والاستمرار، لعدم تحقق الترك إلا به.
قلت: لما كان قضية الأمر المتعلق بالطبيعة هو الإتيان بتلك الطبيعة في الجملة ولو في ضمن المرة كان قضية النهي اللازم له هو طلب ترك ضده كذلك، فإنه القدر اللازم للأمر المفروض، وكما أن إيجاد طبيعة الفعل يتحقق بفعله مرة فكذلك ترك طبيعة الفعل، وإنما لا نقول به في النهي الصريح، نظرا إلى قضاء ظاهر الإطلاق وللزوم اللغو في غالب الاستعمالات لقيام الضرورة على حصول الترك في الجملة، ولا يجري شئ منهما في النهي التابع للأمر، كما لا يخفى هذا.
وقد ذكر للقائل بالتكرار حجج اخر موهونة جدا على نحو الحجج المذكورة:
منها: أنه يتبادر منه الدوام، ألا ترى أنك لو قلت: " أكرم أباك وأحسن إلى صديقك وتحذر من عدوك " لم يفهم منها عرفا إلا الدوام. وهو أمارة الحقيقة.
وضعفه ظاهر، فإن الدوام فيها إنما يستفاد من المقام.