استشكل فيه الفاضل الجواد وتبعه الفاضل الصالح، معللين بأن الفاسق لا يقبل خبره لو أخبر بإيقاع فعله، ولا عبرة بفعله أيضا، وهو كما ترى قياس فاسد، وكأنه أريد بذلك أنه لو أخبر بصحة فعله لم يقبل خبره، لما دل على وجوب التثبت عند خبره، فمع عدمه أولى.
ويدفعه: أن عدم القبول بالصحة من جهة قوله لا يقضي بعدم الحكم بها من جهة الأصل المذكور، ألا ترى أنه لو أخبر بأمر موافق للأصل لم يقبل خبره مع العمل بمقتضى الأصل، وهو ظاهر.
وزاد الفاضل الجواد: أن قيام الظن مقام العلم إنما هو بنص خاص أو لدلالة العقل عليه، وهما منتفيان في المقام، فلا عبرة به، لأن وجوبه على المكلف معلوم، والسقوط عنه بذلك مظنون، والعلم لا يسقط بالظن، وضعفها ظاهر بعدما عرفت.
ثم إن قضية ما ذكر من التعليل جريان الإشكال في مجهول الحال أيضا، والحكم بالاكتفاء به أظهر من الاكتفاء بفعل الفاسق، والظاهر قيام السيرة عليه في المقامين، سيما في الثاني، بل لا يبعد دعوى القطع بالنسبة إليه.
الثامن: أنه إذا علم بقيام الغير بالكفائي سقط عنه، سواء كان ذلك بمشاهدته، أو بالتواتر، أو بالآحاد المحفوفة بقرائن القطع، أو بالعادة المفضية إلى العلم، كما هو ظاهر في الأموات التي لهم أقارب وأرحام وأصدقاء في بلد موتهم متوجهين للأمور المتعلقة بهم كمال التوجه، معتنين بشأنهم غاية الاعتناء، فمن المقطوع به في العادة أنه لا يتركون نعشه من غير غسل ودفن وكفن، بل وكذا الحال في غيرهم إذا كان موتهم بين أظهر المسلمين الصالحين المعتنين بأوامر الشرع إذا لم يكن هناك حادثة توجب الذهول عنه، أو تقضي بسقوط التكليف في شأنهم، لحصول العلم العادي بذلك أيضا.
وأما إذا ظن قيام الغير به فإن كان حاصلا من الطريق الخاص - كشهادة العدلين - فالظاهر أنه لا إشكال في جواز الأخذ به، بناء على قيامها مقام العلم مطلقا، وفي الاكتفاء بخبر العدل الواحد وجه قوي.