وكيف كان، فالظاهر بعد الحمل المذكور بل فساده، إذ لا يخفى أن المعنى المذكور معنى ثالث مغاير لكل من المعنيين المفروضين، ولا ملازمة بين وضعه لكل منهما والوضع لهذا المعنى، والاحتجاج عليه بالتبادر بين الفساد، إذ لا يتبادر من المشترك ذلك أصلا وإنما المتبادر منه خصوص أحد المعنيين المتعين عند المتكلم المجهول عند المخاطب من جهة تعدد الوضع وانتفاء القرينة المعينة، فحينئذ يعلم إرادة أحد المعنيين ولا يتعين خصوص المراد، وأين ذلك من استعماله في المفهوم الجامع بين المعنيين؟ كيف! ولو تم ما ذكره لم يمكن تحقق مشترك بين المعنيين، ولخرج المشترك عن الاجمال واندرج في المطلق بناء على الوجه الأول من الوجهين المذكورين، وفساد ذلك ظاهر.
ولا باعث على حمل كلام السكاكي عليه من إمكان حمله على المعنى الصحيح سيما مع عدم انطباق العبارة المذكورة عليه، حيث نص على أن مدلوله ما لا يتجاوز معنييه، ومن البين أن حمله على المعنى المذكور تجاوز عن معنييه وحكم باستعماله في ثالث.
فالأظهر حمل كلامه على الوجه الثالث، ومقصوده من العبارة المذكورة بيان ما يدل عليه المشترك بنفسه، فإنه من جهة الاجمال الحاصل فيه بواسطة تعدد الوضع لا يدل على خصوص المعنى المقصود ولا يقضي بانتقال المخاطب إلى ما هو مراد المتكلم بخصوصه.
وتفصيل القول في ذلك: أن وضع اللفظ للمعنى بعد العلم به قاض بالانتقال من ذلك اللفظ إلى ذلك المعنى وإحضاره ببال السامع عند سماع اللفظ، وهذا القدر من لوازم الوضع، ولذا اخذ ذلك في تعريفه من غير فرق بين الحقيقة والمجاز والمشترك، فإن كلا من المعاني التي وضع المشترك بإزائه مفهوم حال إطلاقه حاضر ببال السامع عند سماع لفظه، وكذا المعنى الحقيقي مفهوم من لفظ المجاز وإن قامت القرينة على عدم إرادته.