في المعنى أمر وجودي لا يصح أن يتعلق بالمبهم المحض كما في هذا الفرض، إذ المفروض عدم استعماله واقعا في خصوص شئ من المعنيين وإلا لكان المستعمل فيه معينا بحسب الواقع ولا في مفهوم أحدهما الشامل لكل منهما كما هو المفروض فلا يتصور استعماله على النحو المذكور، وكل من الوجوه الثلاثة الباقية مما يصح استعمال المشترك فيه.
وأنت خبير بأن الوجه الأخير هو الوجه الأول الشائع في استعماله، والوجه الأول راجع إلى الوجه الثاني، لكونه في الحقيقة من الاستعمال في القدر المشترك وإن لوحظ فيه خصوص كل من المعنيين بل وكذا الوجه الثاني، إذ المستعمل فيه هو القدر المشترك أيضا وإن ضم اليه اعتبار آخر، فلا يكون استعماله في أحد المعنيين إطلاقا آخر، وكأنه لذا لم يذكره بعضهم في عداد استعمالات المشترك.
بقي الكلام في العبارة المنقولة عن السكاكي، وهي في بادئ الرأي قابلة للحمل على كل من الوجوه الثلاثة المذكورة، وظاهر التفتازاني في المطول حملها على أحد الوجهين الأولين حيث ذكر في تحقيق كلامه ما محصله:
أن الواضع عين المشترك تارة للدلالة على أحد معنييه بنفسه، وكذا عينه أخرى للدلالة على الآخر كذلك، وحينئذ فافتقاره إلى القرينة ليس لأجل نفس الدلالة بل لدفع مزاحمة الغير، ثم إنه حصل من هذين الوضعين وضع آخر ضمنا، وهو تعيينه للدلالة على أحد المعنيين عند الإطلاق غير مجموع بينهما، وقال: إن هذا هو المفهوم منه ما دام منتسبا إلى الوضعين، لأنه المتبادر إلى الفهم، والتبادر من دلائل الحقيقة.
فعلى هذا يرجع ذلك إلى الوجه الثاني من إطلاقاته، كما أشرنا اليه، ولعله لذا أسقطه في شرح الشرح وجعل استعمالات المشترك أربعة.
وربما يظهر من الفاضل الباغنوي ذلك أيضا، إلا أن الظاهر من كلامه حمله على الوجه الثاني من الوجهين المذكورين.