ثم إن هذا المدلول هو المراد من عدم قيام قرينة على عدم إرادته إن لم يكن هناك تعدد في الوضع، ومع التعدد يدور المراد بين واحد منها على ما ذهب اليه المحققون من عدم ظهوره في إرادة جميع معانيه، فيكون المشترك حينئذ مجملا في إفادة المراد غير دال على خصوصه بنفسه وانما يدل عليه بمعاونة القرينة كالمجاز.
إلا أن الفرق بينهما أن المجاز محتاج غالبا إلى القرينة في المقام الأول أيضا، فإن إحضار المعنى ببال السامع فيه إنما يكون بمعاونة القرينة في الغالب أو بتوسط المعنى الحقيقي فهما مشتركان في الحاجة إلى القرينة في تعيين المراد، ويختص المجاز بالاحتياج إليها في فهم السامع وإحضاره بباله في الغالب وذلك فارق بينه وبين الحقيقة.
وهناك فارق آخر ولو على تقدير الانتقال إلى المعنى المجازي من دون ملاحظة القرينة، كما يتفق في بعض المجازات، فإنه يحمل اللفظ على معناه الحقيقي إلى أن يقوم قرينة صارفة عن الحمل عليه، بخلاف المشترك.
نعم، يحصل الأمران بل الأمور المذكورة بقرينة واحدة في كثير من المقامات، إلا أن الحيثيات فيه مختلفة والجهات متعددة، بخلاف قرينة المشترك.
فظهر بما قررناه استقلال المشترك في الدلالة على ما وضع بإزائه من المعاني وإحضارها ببال السامع، بعد علمه بوضعه لها وقصوره في إفادة المراد بنفسه وعدم استقلاله في الدلالة على خصوصه.
ولا ينتقض به حد الوضع، نظرا إلى أخذهم فيه استقلال اللفظ في الدلالة على المعنى، إذ المأخوذ هناك الاستقلال في الدلالة على الوجه الأول لا في الحكم بكونه مرادا للمتكلم.
كيف! والوضع للمعنى الحقيقي حاصل في المجاز، مع أنه غير دال على إرادته فوضع اللفظ للمعنى أمر وراء الحكم بكون الموضوع له مرادا للمتكلم، وانما هو من فوائده وثمراته على نحو مخصوص، مستفاد من القانون المقرر في اللغات من