وأما حجج القائلين بالتفاصيل المذكورة فهي مبنية على كون الوضع فيها تعينيا لا تعيينيا، فيختلف الحال فيه باختلاف الألفاظ في شدة الحاجة وكثرة الدوران وعدمها وطول المدة وقصرها، وكل ذهب على حسب ما اعتقده في البلوغ إلى حد الحقيقة.
نعم، التفصيل بين العبادات والمعاملات ليس مبنيا على ذلك وإنما احتج عليه بأن ألفاظ المعاملات باقية على معانيها اللغوية ولم يستعملها الشارع في معان جديدة، وإنما ضم إلى معانيها اللغوية شروطا لصحتها من غير أن يعتبر ذلك في تسميتها، ولذا يرجع فيها إلى العرف ولا يتوقف تفسيرها على توقيف الشرع، بخلاف العبادات لكونها من الأمور المجعولة الشرعية والماهيات المقررة من صاحب الشريعة، ولذا حكموا بأنها توقيفية يعنون به توقيفية موضوعاتها، وإلا فالأحكام توقيفية في العبادات والمعاملات من غير فرق اتفاقا، فالألفاظ الدالة عليها موضوعة بالأوضاع الشرعية على خلاف المعاملات.
ويدفعه أن المناط في المقام حسب ما ذكره وتقدمت الإشارة اليه هو كون المعنى من الأمور المجعولة الشرعية دون المعاني القديمة الثابتة قبل الشريعة، لكن لا اختصاص لذلك بالعبادات كما زعمه، إذ للشارع في غيرها أيضا ماهيات مخترعة وأمور مجعولة لم يكن قبل ورود الشريعة كالإيمان والكفر، والطهارة والنجاسة، والفسق والعدالة، والخلع والايلاء واللعان ونحوها، فلا اختصاص للمعاني المستحدثة بالعبادات ولا تمتاز العبادة بذلك عن غيرها، بل لا امتياز لها إلا بالتوقف على القربة بخلاف غيرها، وهذا مما لا ربط له في ثبوت الحقيقة الشرعية ونفيها.
نعم لو لم يكن للشارع ماهية مجعولة ومعنى جديد في غير العبادات صح ما ذكره، لكن ليس الحال على ذلك كما عرفت.
وأنت خبير بأن مقتضى الكلام المذكور خروج المعاملات عند هذا القائل عن محل النزاع في الحقيقة الشرعية، إذ قد عرفت أن محل النزاع هو الألفاظ