قوله: * (كيف! وقد جعلها الشارع حقائق شرعية في تلك المعاني مجازات لغوية في المعنى اللغوي) * لا يخفى أن الألفاظ المذكورة إنما تكون حينئذ مجازات لغوية في المعنى الشرعي لا في المعنى اللغوي، ولو أريد به صيرورتها مجازات في معناها اللغوي بعد النقل فهو مما لا ربط له بالمقام، مع أنها حينئذ تكون مجازات شرعية لا لغوية.
وقد يتكلف في توجيهه بأن المراد من قوله: " في المعنى اللغوي " بالنسبة إلى المعنى اللغوي أي بملاحظة ما وضع لها في اللغة، فالمراد أن تلك الألفاظ صارت حقائق شرعية في المعاني الحادثة بالنسبة إلى العرف الشرعي مجازات لغوية فيها بالنسبة إلى اللغة.
ثم لا يذهب عليك أن الألفاظ المذكورة إذا استعملها الشارع حينئذ في المعاني الشرعية كانت حقائق شرعية، وليست بهذه الملاحظة مجازات أصلا، وإن استعملها غيره في تلك المعاني من غير تبعيته - بل من جهة مناسبتها لمعناها اللغوي - كانت مجازات لغوية ولم تكن حينئذ حقائق شرعية.
فإن أراد المصنف بذلك اجتماع تينك الصفتين في لفظ واحد في آن واحد بالاعتبارين كما هو الظاهر من العبارة المذكورة فذلك فاسد قطعا، إذ لا يمكن اجتماع الأمرين كذلك، كما هو ظاهر من حديهما لاعتبار الحيثية في كل منهما.
وإن أراد كونها مجازات لغوية لو استعملت فيها بمناسبة المعاني اللغوية من غير ملاحظة لوضعها في الشرع فهو غير مجد فيما هو بصدده، فإن كونها مجازات لغوية من تلك الجهة يقضي بكونها عربية لو استعملت على تلك الجهة، فمن أين ثبت كونها عربية لو استعملت فيها من جهة الوضع لها مع الفرق الظاهر بين الجهتين؟ فإن الاستعمال في الأولى من جهة تبعية الواضع بخلاف الثانية.
وغاية ما يوجه به ذلك أن يقال: إن مراده من ذلك بيان تقريب للحكم، فإن تلك الألفاظ بالنظر إلى استعمالها في تلك المعاني إذا كانت عربية لم يخرجها الوضع الشرعي من ذلك، لعدم تصرف الشارع حينئذ في اللفظ ولا في المعنى، وهو كما ترى.