وإذا ثبت ذلك وقد دللنا (1) على أن العموم إذا خص كان مجازا فينبغي أن يجوز ذلك بأدلة العقل لان غاية ما في ذلك أن يترك حقيقة إلى المجاز.
فان قالوا: دليل العقل يجب تقدمه على الكتاب وما هذا حكمه لا يجوز أن يخص به العموم لان ما يقتضى الخصوص يجب أن يكون مقارنا له.
قيل لهم: نحن قد بينا ان الذي يخص العموم هو قصد المخاطب إلى بعض ما تناوله اللفظ وذلك مقارن لحال (2) الخطاب وأدلة العقل انما يتوصل بها إلى معرفة القصد الذي وقع التخصيص به وعلى هذا يسقط هذا السؤال.
وليس لهم أن يقولوا: ان دليل العقل وان دل على قصد فقد تقدمه وذلك لا يجوز (وذلك) (3) أن الذي أنكروه جائز عندنا غير منكر لان الدليل (4) كما يتأخر ويقارن تارة كذلك قد يتقدم على بعض الوجوه فاستبعاد ذلك لا معنى له.
ولأجل ما قلناه علمنا بالعقل ان الله تعالى يثيب المؤمن على طاعته ويعوضه على آلامه وان كان ذلك متقدما له.
ثم يقال لمن خالف في ذلك: ليس يخلو من أن يحملوا قوله تعالى: (يا أيها الناس) على عمومه وشموله حتى يحمله على العقلاء وغير العقلاء أو يحمله على العقلاء.
فان قال: أحمله على جميعهم ظهر بطلان قوله بما دل الدليل على خلافه.
وان قال: أحمله على العقلاء خاصة غير انى لا اسمى ذلك تخصيصا كان ذلك خلافا في عبارة لا يعتبر بها. ومن الناس من قال (5): أن عموم الكتاب يترتب على أدلة العقل فلا يصح ان