تعالى: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) ولهذا لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام يوم الفتح ووجد تلك الأصنام منصوبة حول الكعبة جعل يطعن الصنم منها بسية قوسه ويقرأ (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) (قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وحده عند هذه الآية كلهم من حديث الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة عن ابن مسعود رضي الله عنه به أي لم يبق للباطل مقالة ولا رياسة ولا كلمة وزعم قتادة والسدي أن المراد بالباطل ها هنا إبليس أنه لا يخلق أحدا ولا يعيده ولا يقدر على ذلك وهذا وإن كان حقا ولكن ليس هو المراد ههنا والله أعلم. وقوله تبارك وتعالى (قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي) أي الخير كله من عند الله وفيما أنزله الله عز وجل من الوحي والحق المبين فيه الهدى والبيان والرشاد ومن ضل فإنما يضل من تلقاء نفسه كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لما سئل عن تلك المسألة في المفوضة أقول فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه. وقوله تعالى: (إنه سميع قريب) أي سميع لأقوال عباده قريب مجيب دعوة الداعي إذا دعاه وقد روى النسائي ههنا حديث أبي موسى الذي في الصحيحين " إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريبا مجيبا ".
ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب (51) وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد (52) وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد (53) وحيل بينهم وبين ما يشتهون وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب (54) يقول تبارك وتعالى (ولو ترى) يا محمد إذ فزع هؤلاء المكذبون يوم القيامة (فلا فوت) أي فلا مفر لهم ولا وزر لهم ولا ملجأ (وأخذوا من مكان قريب) أي لم يمكنوا أن يمعنوا في الهرب بل أخذوا من أول وهلة. قال الحسن البصري حين خرجوا من قبورهم وقال مجاهد وعطية العوفي وقتادة من تحت أقدامهم وعن ابن عباس رضي الله عنهما والضحاك يعني عذابهم في الدنيا وقال عبد الرحمن بن زيد يعني قتلهم يوم بدر والصحيح أن المراد بذلك يوم القيامة وهو الطامة العظمى وإن كان ما ذكر متصلا بذلك وحكى ابن جرير عن بعضهم قال إن المراد بذلك جيش يخسف بهم بين مكة والمدينة في أيام بني العباس رضي الله عنهم. ثم أورد في ذلك حديثا موضوعا بالكلية ثم لم ينبه على ذلك وهذا أمر عجيب غريب منه (وقالوا آمنا به) أي يوم القيامة يقولون آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله كما قال تعالى: (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون) ولهذا قال تعالى (وأنى لهم التناوش من مكان بعيد) أي كيف لهم تعاطي الايمان وقد بعدوا عن محل قبوله منهم وصاروا إلى الدار الآخرة وهي دار الجزاء لا دار الابتلاء فلو كانوا آمنوا في الدنيا لكان ذلك نافعهم ولكن بعد مصيرهم إلى الدار الآخرة لا سبيل لهم إلى قبول الايمان كما لا سبيل إلى حصول الشئ لمن يتناوله من بعيد. قال مجاهد (وأنى لهم التناوش) قال التناول لذلك وقال الزهري التناوش تناولهم الايمان وهم في الآخرة وقد انقطعت عنهم الدنيا وقال الحسن البصري أما إنهم طلبوا الامر من حيث لا ينال تعاطوا الايمان من مكان بعيد وقال ابن عباس رضي الله عنهما طلبوا الرجعة إلى الدنيا والتوبة مما هم فيه وليس بحين رجعة ولا توبة. وكذا قال محمد بن كعب القرظي رحمه الله. وقوله تعالى: (وقد كفروا به من قبل) أي كيف يحصل لهم الايمان في الآخرة وقد كفروا بالحق في الدنيا وكذبوا الرسل (ويقذفون بالغيب من مكان بعيد) قال مالك عن زيد بن أسلم (ويقذفون بالغيب) قال بالظن قلت كما قال تعالى: (رجما بالغيب) فتارة يقولون شاعر وتارة يقولون كاهن وتارة يقولون ساحر وتارة يقولون مجنون إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة ويكذبون بالبعث والنشور والمعاد (ويقولون إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين) قال قتادة ومجاهد يرجمون بالظن لا بعث ولا جنة ولا نار. وقوله تعالى: (وحيل بينهم وبين ما يشتهون) قال الحسن البصري والضحاك وغيرهما يعني