وهم في ذلك يعتقدون ويحسبون أنهم يحسنون صنعا أي أفمن كان هكذا قد أضله الله ألك فيه حيلة؟ لا حيلة لك فيه (فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء) أي بقدره كان ذلك (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) أي لا تأسف على ذلك فإن الله حكيم في قدره إنما يضل من يضل ويهدي من يهدي لماله في ذلك من الحجة البالغة والعلم التام ولهذا قال تعالى: (إن الله عليم بما يصنعون). وقال ابن أبي حاتم عند هذه الآية حدثنا أبي حدثنا محمد بن عوف الحمصي حدثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني أو ربيعة عن عبد الله بن الديلمي قال: أتيت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وهو في حائط بالطائف يقال له الوهط قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله تعالى خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه من نوره يومئذ فقد اهتدى ومن أخطأه منه ضل فلذلك أقول جف القلم على ما علم الله عز وجل " ثم قال حدثنا محمد بن عبدة القزويني حدثنا حسان بن حسان البصري حدثنا إبراهيم بن بشر حدثنا يحيى بن معين حدثنا إبراهيم القرشي عن سعيد بن شرحبيل عن زيد بن أبي أوفى رضي الله عنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " الحمد لله الذي يهدي من الضلالة ويلبس الضلالة على من أحب " وهذا أيضا حديث غريب جدا.
والله الذي أرسل الريح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور (9) من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصلح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور (10) والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزوجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتب إن ذلك على الله يسير (11) كثيرا ما يستدل تعالى على المعاد بإحيائه الأرض بعد موتها كما في أول سورة الحج ينبه عباده أن يعتبروا بهذا على ذلك فإن الأرض تكون ميتة هامدة لا نبات فيها فإذا أرسل إليها السحاب تحمل الماء وأنزله عليها (اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج) كذلك الأجساد إذا أراد الله تعالى بعثها ونشورها أنزل من تحت العرش مطرا يعم الأرض جميعا ونبتت الأجساد في قبورها كما تنبت الحبة في الأرض ولهذا جاء في الصحيح " كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب منه خلق ومنه يركب " ولهذا قال تعالى: (كذلك النشور) وتقدم في الحج حديث أبي رزين قلت يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال صلى الله عليه وسلم " يا أبا رزين أما مررت بوادي قومك ممحلا ثم مررت به يهتز خضرا؟ " قلت بلى قال صلى الله عليه وسلم " فكذلك يحيي الله الموتى ". وقوله تعالى: (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا) أي من كان يحب أن يكون عزيزا في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله تعالى فإنه يحصل له مقصوده لان الله تعالى مالك الدنيا والآخرة وله العزة جميعا كما قال تعالى: (الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا) وقال عز وجل (ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا) وقال جل جلاله (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون) قال مجاهد (من كان يريد العزة) بعبادة الأوثان (فإن العزة لله جميعا) وقال قتادة (من كان يريد العزة فإن العزة لله جميعا) أي فليتعزز بطاعة الله عز وجل وقيل من كان يريد علم العزة لمن هي (فإن العزة لله جميعا) وحكاه ابن جرير. وقوله تبارك وتعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب) يعني الذكر والتلاوة والدعاء قاله غير واحد من السلف. وقال ابن جرير حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي أخبرني جعفر بن عون عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي عن عبد الله بن المخارق عن أبيه المخارق بن سليم قال: قال لنا عبد الله هو ابن مسعود رضي الله عنه إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله تعالى إن العبد المسلم إذا قال سبحان الله وبحمده والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر تبارك الله أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه ثم صعد بهن إلى السماء فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يجئ بهن وجه الله عز وجل ثم قرأ عبد الله رضي الله عنه (إليه يصعد الكلم الطيب