وقوله تعالى: (وهو العزيز) أي في انتصاره وانتقامه من أعدائه (الرحيم) بعباده المؤمنين وقوله تعالى: (وعد الله لا يخلف الله وعده) أي هذا الذي أخبرناك به يا محمد من أنا سننصر الروم على فارس وعد من الله حق وخبر صدق لا يخلف ولا بد من كونه ووقوعه لان الله قد جرت سنته أن ينصر أقرب الطائفتين المقتتلين إلى الحق ويجعل لها العاقبة (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) أي بحكم الله في كونه وأفعاله المحكمة الجارية على وفق العدل. وقوله تعالى:
(يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) أي أكثر الناس ليس لهم علم إلا بالدنيا وأكسابها وشؤونها وما فيها فهم حذاق أذكياء في تحصيلها ووجوه مكاسبها وهم غافلون في أمور الدين وما ينفعهم في الدار الآخرة كأن أحدهم مغفل لا ذهن له ولا فكرة قال الحسن البصري والله ليبلغ من أحدهم بدنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره فيخبرك بوزنه وما يحسن أن يصلي. وقال ابن عباس في قوله تعالى: (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) يعني الكفار يعرفون عمران الدنيا وهم في أمر الدين جهال أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون (8) أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (9) ثم كان عقبة الذين أساؤا السوأى أن كذبوا بأيت الله وكانوا بها يستهزؤن (10) يقول تعالى منبها على التفكر في مخلوقاته الدالة على وجوده وانفراده بخلقها وأنه لا إله غيره ولا رب سواه فقال (أو لم يتفكروا في أنفسهم) يعني به النظر والتدبر والتأمل لخلق الله الأشياء من العالم العلوي والسفلي وما بينهما من المخلوقات المتنوعة والأجناس المختلفة فيعلموا أنها ما خلقت سدى ولا باطلا بل بالحق وأنها مؤجلة إلى أجل مسمى وهو يوم القيامة ولهذا قال تعالى (وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون) ثم نبههم على صدق رسله فيما جاءوا به عنه بما أيدهم به من المعجزات والدلائل الواضحات من إهلاك من كفر بهم ونجاة من صدقهم. فقال تعالى (أولم يسيروا في الأرض) أي بأفهامهم وعقولهم ونظرهم وسماعهم أخبار الماضين ولهذا قال (فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة) أي كانت الأمم الماضية والقرون السالفة أشد منكم قوة أيها المبعوث إليهم محمد صلى الله عليه وسلم وأكثر أموالا وأولادا وما أوتيتم معشار ما أوتوا ومكنوا في الدنيا تمكينا لم تبلغوا إليه وعمروا فيها أعمارا طوالا فعمروها أكثر منكم واستغلوها أكثر من استغلالكم ومع هذا فلما جاءتهم رسلهم بالبينات وفرحوا بما أوتوا أخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق ولا حالت أموالهم وأولادهم بينهم وبين بأس الله ولا دفعوا عنهم مثقال ذرة وما كان الله ليظلمهم فيما أحل بهم من العذاب والنكال (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) أي وإنما أوتوا من أنفسهم حيث كذبوا بآيات الله واستهزأوا بها وما ذاك إلا بسبب ذنوبهم السالفة وتكذيبهم المتقدم ولهذا قال تعالى " ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون) كما قال تعالى (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون) وقال تعالى (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) وقال تعالى (فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم) وعلى هذا تكون السوأى منصوبة مفعولا لأساؤا وقيل بل المعنى في ذلك (ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى) أي كانت السوأى عاقبتهم لانهم كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون. فعلى هذا تكون السوأى منصوبة خبر كان هذا توجيه ابن جرير ونقله عن ابن عباس وقتادة ورواه ابن أبي حاتم عنهما وعن الضحاك بن مزاحم وهو الظاهر والله أعلم لقوله (وكانوا بها يستهزئون).
الله يبدؤ الخلق ثم يعيده فم إليه ترجعون (11) ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون (12) ولم يكن لهم من شركائهم شفعاؤا وكانوا بشركائهم كفرين (13) ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون (14) فأما الذين آمنوا وعملوا