تفسير ابن كثير - ابن كثير - ج ٣ - الصفحة ٤٣٥
ويقال لهم بنو الأصفر وكانوا على دين اليونان واليونان من سلالة يافث بن نوح أبناء عم الترك وكانوا يعبدون الكواكب السيارة السبعة ويقال لها المتحيرة ويصلون إلى القطب الشمالي وهم الذين أسسوا دمشق وبنوا معبدها وفيه محاريب إلى جهة الشمال فكان الروم على دينهم إلى بعد مبعث المسيح بنحو من ثلثمائة سنة وكان من ملك منهم الشام مع الجزيرة يقال له قيصر فكان أول من دخل في دين النصارى من ملوك الروم قسطنطين بن قسطس وأمه مريم الهيلانية الغندقانية من أرض حران كانت قد تنصرت قبله فدعته إلى دينها وكان قبل ذلك فيلسوفا فتابعها يقال تقية واجتمعت به النصارى وتناظروا في زمانه مع عبد الله بن أريوس واختلفوا اختلافا كثيرا منتشرا متشتتا لا ينضبط إلا أنه اتفق من جماعتهم ثلثمائة وثمانية عشر أسقفا فوضعوا لقسطنطين العقيدة وهي التي يسمونها الأمانة الكبيرة وإنما هي الخيانة الحقيرة ووضعوا له القوانين يعنون كتب الاحكام من تحريم وتحليل وغير ذلك مما يحتاجون إليه وغيروا دين المسيح عليه السلام وزادوا فيه ونقصوا من فصلوا إلى المشرق واعتاضوا عن السبت بالأحد وعبدوا الصليب وأحلوا الخنزير واتخذوا أعيادا أحدثوها كعيد الصليب والقداس والغطاس وغير ذلك من البواعيث والشعابين وجعلوا له الباب وهو كبيرهم ثم البتاركة ثم المطارنة ثم الأساقفة والقساقسة ثم الشمامسة وابتدعوا الرهبانية وبنى لهم الملك الكنائس والمعابد وأسس المدينة المنسوبة إليه وهي القسطنطينية يقال إنه بنى في أيامه اثنى عشر ألف كنيسة وبنى بيت لحم بثلاث محاريب وبنت أمه القمامة وهؤلاء هم الملكية يعنون الذين هم على دين الملك ثم حدثت بعدهم اليعقوبية أتباع يعقوب الإسكاف ثم النسطورية أصحاب نسطورا وهم فرق وطوائف كثيرة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنهم افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة " والغرض أنهم استمروا على النصرانية كلما هلك قيصر خلفه آخر بعده حتى كان آخرهم هرقل وكان من عقلاء الرجال ومن أحزم الملوك وأدهاهم وأبعدهم غورا وأقصاهم رأيا فتملك عليهم في رياسة عظيمة وأبهة كثيرة فناوأه كسرى ملك الفرس وملك البلاد كالعراق وخراسان والري وجميع بلاد العجم وهو سابور ذو الأكتاف وكانت مملكته أوسع من مملكة قيصر وله رياسة العجم وحماقة الفرس وكانوا مجوسا يعبدون النار فتقدم عن عكرمة أنه قال بعث إليه نوابه وجيشه فقاتلوه والمشهور أن كسرى غزاه بنفسه في بلاده فقهره وكسره وقصره حتى لم يبق معه سوى مدينة قسطنطينية فحاصره بها مدة طويلة حتى ضاقت عليه وكانت النصارى تعظمه تعظيما زائدا ولم يقدر كسرى على فتح البلد ولا أمكنه ذلك لحصانتها لان نصفها من ناحية البر ونصفها الآخر من ناحية البحر فكانت تأتيهم الميرة والمدد من هنالك فلما طال الامر دبر قيصر مكيدة ورأى في نفسه خديعة فطلب من كسرى أن يقلع من بلاده على مال يصالحه عليه ويشترط عليه ما شاء فأجابه إلى ذلك وطلب منه أموالا عظيمة لا يقدر عليها أحد من ملوك الدنيا من ذهب وجواهر وأقمشة وجوار وخدام وأصناف كثيره فطاوعه قيصر وأوهمه أن عنده جميع ما طلب واستقل عقله لما طلب منه ما طلب ولو اجتمع هو وإياه لعجزت قدرتهما عن جمع عشره وسأل من كسرى أن يمكنه من الخروج إلى بلاد الشام وأقاليم مملكته ليسعى في تحصيل ذلك من ذخائره وحواصله ودفائنه فأطلق سراحه فلما عزم قيصر على الخروج من مدينة قسطنطينية جمع أهل ملته وقال: إني خارج في أمر قد أبرمته في جند قد عينته من جيشي فإن رجعت إليكم قبل الحول فأنا ملككم وإن لم أرجع إليكم قبلها فأنتم بالخيار إن شئتم استمررتم على بيعتي وإن شئتم وليتم عليكم غيري فأجابوه بأنك ملكنا ما دمت حيا ولو غبت عشرة أعوام فلما خرج من القسطنطينية خرج جريدة في جيش متوسط هذا وكسرى مخيم على القسطنطينية ينتظره ليرجع فركب قيصر من فوره وسار مسرعا حتى انتهى إلى بلاد فارس فعاث في بلادهم قتلا لرجالها ومن بها من المقاتلة أولا فأولا ولم يزل يقتل حتى انتهى إلى المدائن وهي كرسي مملكة كسرى فقتل من بها وأخذ جميع حواصله وأمواله وأسر نساءه وحريمه وحلق رأس ولده وركبه على حمار وبعث معه من الأساورة من قومه في غاية الهوان والذلة وكتب إلى كسرى يقول هذا ما طلبت فخذه فلما بلغ ذلك كسرى أخذه من الغم ما لا يحصيه إلا الله تعالى واشتد حنقه على البلد فجد في حصارها بكل ممكن فلم يقدر على ذلك فلما عجز ركب ليأخذ عليه الطريق من مخاضة جيحون التي لا سبيل لقيصر إلى القسطنطينية إلا منها فلما علم قيصر بذلك احتال بحيلة عظيمة لم يسبق إليها وهو أنه أرصد جنده وحواصله التي معه عند فم المخاضة وركب في بعض الجيش وأمر بأحمال من التبن والبعر والروث فحملت
(٤٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 430 431 432 433 434 435 436 437 438 439 440 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تفسير سورة سبحان 3
2 قصة الاسراء والمعراج 3
3 إيتاء سيدنا موسى عليه السلام التوراة 26
4 كتاب الاعمال 29
5 بعثة الرسل 31
6 المترفين 35
7 القرون الماضية بعد نوح 36
8 هلاك من آثر الدنيا على الآخرة 36
9 الامر بالتوسط في الانفاق 40
10 تكريم بنى آدم 55
11 الكلام على الروح 64
12 لو اجتمع الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لعجزوا 66
13 إيتاء موسى عليه السلام التسع آيات 70
14 تفسير سورة الكهف 74
15 قصة أصحاب الكهف 77
16 قصة صاحب الجنتين 87
17 قصة سيدنا موسى مع الخضر 97
18 قصة ذو القرنين 106
19 تفسير سورة مريم 116
20 قصة سيدنا زكريا عليه السلام 116
21 قصة السيدة مريم 120
22 قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام 129
23 قصة سيدنا موسى عليه السلام 131
24 قصة سيدنا إسماعيل عليه السلام 132
25 قصة سيدنا إدريس عليه السلام 133
26 المرور على الصراط 138
27 تفسير سورة طه 148
28 قصة سيدنا موسى مع فرعون 151
29 تفسير سورة الأنبياء 181
30 قصة سيدنا إبراهيم مع قومه 190
31 قصة سيدنا داود وسليمان 195
32 قصة سيدنا أيوب عليه السلام 197
33 قصة سيدنا يونس عليه السلام 200
34 تفسير سورة الحج 212
35 اذان سيدنا إبراهيم بالحج 225
36 دفاع الله عن المؤمنين 235
37 تفسير سورة المؤمنون 248
38 بيان كيفية خلق الانسان 250
39 تفسير سورة النور 270
40 ما جاء في اللعان 275
41 قصة الافك 279
42 الامر بالاستئذان 289
43 امر المؤمنين بغض ابصارهم 292
44 امر المؤمنات بغض أبصارهن 293
45 الامر بنكاح الأيامى المؤمنات 297
46 تفسير قوله تعالى: الله نور السماوات والأرض 300
47 الامر ببناء المساجد وتعظيمها 303
48 تفسير سورة الفرقان 319
49 صفات عباد الرحمن 336
50 تفسير سورة الشعراء 343
51 قصة سيدنا موسى مع فرعون 344
52 قصة سيدنا إبراهيم مع قومه 350
53 قصة سيدنا نوح مع قومه 353
54 قصة سيدنا هود مع قومه 353
55 قصة سيدنا لوط مع قومه 357
56 قصة سيدنا شعيب مع قومه 357
57 تفسير سورة النمل 368
58 قصة سيدنا موسى مع فرعون 369
59 قصة سيدنا داود وسليمان 370
60 قصة سيدنا صالح مع قومه 379
61 قصة الدابة التي تخرج من الأرض 386
62 النفخ في الصور 389
63 تفسير سورة القصص 391
64 نيا سيدنا موسى مع فرعون 391
65 قصة قارون 409
66 تفسير سورة العنكبوت 415
67 نبا سيدنا نوح مع قومه 417
68 نبا سيدنا إبراهيم عليه السلام 418
69 تفسير سورة الروم 432
70 الآيات الدالة على قدرته عز وجل 438
71 تفسير سورة لقمان 450
72 وصية لقمان لابنه 453
73 فصل في الخمول والتواضع 456
74 باب ما جاء في الشهرة 457
75 فصل في حسن الخلق 458
76 فصل في ذم الكبر 458
77 فصل في الاختيال 459
78 تفسير سورة السجدة 465
79 صفات المؤمنين 467
80 تفسير سورة الأحزاب 473
81 النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم الخ 476
82 اخذ العهد على الأنبياء 477
83 الامر بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 483
84 فضل أمهات المؤمنين 490
85 ما أعده الله للمؤمنين والمؤمنات 495
86 الامر بالاكثار من ذكر الله 502
87 آية الحجاب 511
88 الامر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم 514
89 امر المؤمنات بتطويل الثياب 526
90 تفسير سورة سبا 532
91 تسخير الريح والجن لسيدنا سليمان 535
92 قصة سبا 538
93 ارسال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة 546
94 تفسير سورة فاطر 554
95 ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها 554
96 الكلام على قوله تعالى: يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله 559
97 الكلام على قوله تعالى: ان الذين يتلون كتاب الله... الخ 561
98 تفسير سورة يس 570
99 أصحاب القرية 574
100 الدليل على البعث 588