ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بأنه وإن كذبه كثير من قومه ومن الناس فقد كذبت الرسل المتقدمون مع ما جاءوا أممهم به من الدلائل الواضحات. ولكن انتقم الله ممن كذبهم وخالفهم وأنجى المؤمنين بهم (وكان حق علينا نصر المؤمنين) أي هو حق أوجبه على نفسه الكريمة تكرما وتفضلا كقوله تعالى (كتب ربكم على نفسه الرحمة) وروى ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا ابن نفيل حدثنا موسى بن أعين عن ليث عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما من امرئ مسلم يرد عن حوض أخيه إلا كان حقا على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة " ثم تلا هذه الآية (وكان حقا علينا نصر المؤمنين).
الله الذي يرسل الريح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون (48) وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين (49) فانظر إلى اثر رحمت الله كيف يحيى الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شئ قدير (50) ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون (51) يبين تعالى كيف يخلق السحاب الذي ينزل من الماء فقال تعالى (الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا) إما من البحر كما ذكره غير واحد أو مما يشاء الله عز وجل (فيبسطه في السماء كيف يشاء) أي يمده فيكثره وينميه ويجعل من القليل كثيرا ينشئ سحابة ترى في رأى العين مثل الترس ثم يبسطها حتى تملأ أرجاء الأفق وتارة يأتي السحاب من نحو البحر ثقالا مملوءة كما قال تعالى (وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت - إلى قوله - كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون) وكذلك قال ههنا (الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا) قال مجاهد وأبو عمرو بن العلاء ومطر الوراق وقتادة يعني قطعا. وقال غيره متراكما كما قاله الضحاك وقال غيره: أسود من كثرة الماء تراه مدلهما ثقيلا قريبا من الأرض وقوله تعالى (فترى الودق يخرج من خلاله) أي فترى المطر وهو القطر يخرج من بين ذلك السحاب (فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون) أي لحاجتهم إليه يفرحون بنزوله عليهم ووصوله إليهم. وقوله تعالى (وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين) معنى الكلام أن هؤلاء القوم الذين أصابهم هذا المطر كانوا قانطين أزلين من نزول المطر إليهم قبل ذلك فلما جاءهم جاءهم على فاقة فوقع منهم موقعا عظيما وقد اختلف النحاة في قوله (من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين) فقال ابن جرير هو تأكيد وحكاه عن بعض أهل العربية. وقال آخرون من قبل أن ينزل عليهم المطر من قبله أي الانزال لمبلسين ويحتمل أن يكون ذلك من دلالة التأسيس ويكون معنى الكلام أنهم كانوا محتاجين إليه قبل نزوله ومن قبله أيضا قد فات عندهم نزوله وقتا بعد وقت فترقبوه في إبانه فتأخر ثم مضت فترقبوه فتأخر ثم جاءهم بغتة بعد الا ياس منه والقنوط فبعد ما كانت أرضهم مقشعرة هامدة أصبحت وقد اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ولهذا قال تعالى (فانظر إلى آثار رحمة الله) يعني المطر (كيف يحيى الأرض بعد موتها) ثم نبه بذلك على إحياء الأجساد بعد موتها وتفرقها وتمزقها فقال تعالى (إن ذلك لمحيي الموتى) أي إن الذي فعل ذلك لقادر على إحياء الأموات (إنه على كل شئ قدير) ثم قال تعالى (ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون) يقول تعالى (ولئن أرسلنا ريحا) يابسة على الزرع الذي زرعوه ونبت وشب واستوى على سوقه فرأوه مصفرا أي قد اصفر وشرع في الفساد لظلوا من بعده أي بعد هذا الحال يكفرون أي يجحدون ما تقدم إليهم من النعم كقوله تعالى (أفرأيتم ما تحرثون - إلى قوله - بل نحن محرومون) قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع حدثنا هشيم عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: الرياح ثمانية أربعة منها رحمة وأربعة منها عذاب فأما الرحمة فالناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات وأما العذاب فالعقيم والصرصر وهما في البر والعاصف والقاصف وهما في البحر فإذا شاء سبحانه وتعالى حركه بحركة الرحمة فجعله رخاء ورحمة وبشرى - بين يدي رحمته ولاقحا للسحاب