الذي كانوا يعملون فيقبل القليل من الحسنات ويثيب عليها الواحدة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ويجزي على السيئة بمثلها أو يعفو ويصفح كما قال تعالى: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) وقال ههنا: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنه سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون).
ووصينا الانسان بولديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلى مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون (8) والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين (9) يقول تعالى آمرا عباده بالاحسان إلى الوالدين بعد الحث على التمسك بتوحيده فإن الوالدين هما سبب وجود الانسان ولهما عليه غاية الاحسان فالوالد بالانفاق والوالدة بالاشفاق ولهذا قال تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) ومع هذه الوصية بالرأفة والرحمة والاحسان إليهما في مقابلة إحسانهما المتقدم قال: (وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما) أي وإن حرصا عليك أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين فإياك وإياهما فلا تطعهما في ذلك فإن مرجعكم إلي يوم القيامة فأجزيك بإحسانك إليهما وصبرك على دينك وأحشرك مع الصالحين لا في زمرة والديك وإن كنت أقرب الناس إليهما في الدنيا فإن المرء إنما يحشر يوم القيامة مع من أحب أي حبا دينيا. ولهذا قال تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين) وقال الترمذي عند تفسير هذه الآية حدثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سماك بن حرب قال: سمعت مصعب بن سعد يحدث عن أبيه سعد قال نزلت في أربع آيات فذكر قصته وقال: قالت أم سعد أليس الله قد أمرك بالبر؟ والله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أموت أو تكفر قال فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها فنزلت (ووصينا الانسان بوالديه حسنا * وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما) الآية وهذا الحديث رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي أيضا وقال الترمذي حسن صحيح.
ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذى في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العلمين (10) وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنفقين (11) يقول تعالى مخبرا عن صفات قوم من المكذبين الذين يدعون الايمان بألسنتهم ولم يثبت الايمان في قلوبهم بأنهم إذا جاءتهم محنة وفتنة في الدنيا اعتقدوا أن هذا من نقمة الله تعالى بهم فارتدوا عن الاسلام ولهذا قال تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله) قال ابن عباس يعني فتنته أن يرتد عن دينه إذا أوذي في الله وكذا قال غيره من علماء السلف وهذه الآية كقوله تعالى: (ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه - إلى قوله - ذلك هو الضلال البعيد) ثم قال عز وجل: (ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم) أي ولئن جاء نصر قريب من ربك يا محمد وفتح ومغانم ليقولن هؤلاء لكم إنا كنا معكم أي إخوانكم في الدين كما قال تعالى: (الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين) وقال تعالى: (فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) وقال تعالى مخبرا عنهم ههنا (ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم) ثم قال الله تعالى: (أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين) أي أوليس الله بأعلم بما في قلوبهم وما تكنه ضمائرهم وإن أظهروا لكم الموافقة؟. وقوله تعالى: (وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين) أي وليختبرن الله الناس بالضراء والسراء ليتميز هؤلاء من هؤلاء من يطيع الله في الضراء والسراء ومن إنما يطيعه في حظ