متصدعا من خشية الله) ثم أنه لو انبغى لهم واستطاعوا حمله وتأديته لما وصلوا إلى ذلك لانهم بمعزل عن استماع القرآن حال نزوله لان السماء ملئت حرسا شديدا وشهبا في مدة إنزال القرآن على رسول الله فلم يخلص أحد من الشياطين إلى استماع حرف ولم يجد منه لئلا يشتبه الامر وهذا من رحمة الله بعباده وحفظه لشرعه وتأييده لكتابه ولرسوله، ولهذا قال تعالى (إنهم عن السمع لمعزولون) كما قال تعالى مخبرا عن الجن (وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا * وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا * إلى قوله - أم أراد بهم ربهم رشدا) فلا تدع مع الله إلاها آخر فتكون من المعذبين (213) وأنذر عشيرتك الأقربين (214) واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين (215) فإن عصوك فقل إني برئ مما تعملون (216) وتوكل على العزيز الرحيم (217) الذي يريك حين تقوم (218) وتقلبك في الساجدين (219) إنه هو السميع العليم (220) يقول تعالى آمرا بعبادته وحده لا شريك له ومخبرا أن من أشرك به عذبه، ثم قال تعالى آمرا لرسوله صلى الله عليه وسلم أن ينذر عشيرته الأقربين أي الادنين إليه، وأنه لا يخلص أحدا منهم إلا إيمانه بربه عز وجل، وأمره أن يلين جانبه لمن أتبعه من عباد الله المؤمنين ومن عصاه من خلق الله كائنا من كان فليتبرأ منه ولهذا قال تعالى (فإن عصوك فقل إني برئ مما تعملون) وهذه النذارة الخاصة لا تنافي العامة بل هي فرد من أجزائها كما قال تعالى (لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون) وقال تعالى (لتنذر أم القرى ومن حولها) وقال تعالى (وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم) وقال تعالى (لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا) وقال تعالى (لأنذركم به ومن بلغ) كما قال تعالى (ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده) وفي صحيح مسلم " والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار " وقد وردت أحاديث كثيرة في نزول هذه الآية الكريمة فلنذكرها " الحديث الأول ": قال الإمام أحمد رحمه الله حدثنا عبد الله بن نمير عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أنزل الله عز وجل (وأنذر عشيرتك الأقربين) أتى النبي صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليه ثم نادى " يا صباحاه " فاجتمع الناس إليه بين رجل يجئ إليه وبين رجل يبعث رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني لؤي، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟ " قالوا نعم قال " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " فقال أبو لهب تبا لك سائر اليوم أما دعوتنا إلا لهذا؟ وأنزل الله (تبت يدا أبي لهب وتب) ورواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من طرق عن الأعمش به " الحديث الثاني ": قال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة قالت: لما نزلت (وأنذر عشيرتك الأقربين) قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " يا فاطمة ابنة محمد يا صفية ابنة عبد المطلب يا بني عبد المطلب لا أملك لكم من الله شيئا سلوني من مالي ما شئتم " انفرد بإخراجه مسلم " الحديث الثالث ": قال الإمام أحمد: حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا زائدة حدثنا عبد الملك بن عمير عن موسى بن طلحة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية (وأنذر عشيرتك الأقربين) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فعم وخص فقال " يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار، فإني والله لا أملك لكم من الله شيئا إلا أن لكم رحما سأبلها ببلالها " ورواه مسلم والترمذي من حديث عبد الملك بن عمير به، وقال الترمذي غريب من هذا الوجه، ورواه النسائي من حديث موسى بن طلحة مرسلا ولم يذكر فيه أبا هريرة، والموصول هو الصحيح، وأخرجاه في الصحيحين من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد حدثنا محمد يعني ابن إسحاق عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله
(٣٦٢)