(202) فيقول هل نحن منظرون (203) أفبعذابنا يستعجلون (204) أفرأيت إن متعناهم سنين (205) ثم جاءهم ما كانوا يوعدون (206) ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون (207) وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون (208) ذكرى وما كنا ظالمين (209) يقول تعالى كذلك سلكنا التكذيب والكفر والجحود والعناد أي أدخلناه في قلوب المجرمين (لا يؤمنون به) أي بالحق (حتى يروا العذاب الأليم) أي حيث ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار. (فيأتيهم بغتة) أي عذاب الله بغتة (وهم لا يشعرون فقولوا هل نحن منظرون) أي يتمنون حين يشاهدون العذاب أن لو أنظروا قليلا ليعلموا في زعمهم بطاعة الله كما قال الله تعالى (وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب - إلى قوله - ما لكم من زوال) فكل ظالم وفاجر وكافر إذا شاهد عقوبته ندم ندما شديدا هذا فرعون لما دعا عليه الكليم بقوله (ربنا إنك آتيت فرعون وملئه زينة وأموالا في الحياة الدنيا - إلى قوله - قال قد أجيبت دعوتكما) فأثرت هذه الدعوة في فرعون فما آمن حتى رأى العذاب الأليم (حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل - إلى قوله - وكنت من المفسدين) وقال تعالى (فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده) الآيات وقوله تعالى (أفبعذابنا يستعجلون) إنكار عليهم وتهديد لهم فإنهم كانوا يقولون للرسول تكذيبا واستبعادا: ائتنا بعذاب الله، كما قال تعالى (ويستعجلونك بالعذاب) الآية ثم قال (أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون) أي لو أخرناهم وأنظرناهم وأملينا لهم برهة من الدهر وحينا من الزمان وإن طال ثم جاءهم أمر الله أي شئ يجدي عنهم ما كانوا فيه من النعيم (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) وقال تعالى (يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر) وقال تعالى:
(وما يغني عنه ماله إذا تردى) ولهذا قال تعالى (ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون).
وفي الحديث الصحيح " يؤتى بالكافر فيغمس في النار غمسة ثم يقال له هل رأيت خيرا قط؟ هل رأت نعيما قط؟ فيقول لا والله يا رب ويؤتى بأشد الناس بؤسا كان في الدنيا فيصبغ في الجنة صبغة ثم يقال له هل رأيت بؤسا قط؟ فيقول لا والله يا رب " أي ما كان شيئا كان ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتمثل بهذا البيت كأنك لم تؤثر من الدهر ليلة * إذا أنت أدركت الذي أنت تطلب ثم قال تعالى مخبرا عن عدله في خلقه أنه ما أهلك أمة من الأمم إلا بعد الاعذار إليهم والانذار لهم وبعثه الرسل إليهم وقيام الحجة عليهم ولهذا قال تعالى (وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون * ذكرى وما كنا ظالمين) كما قال تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) وقال تعالى (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا) - إلى قوله - (وأهلها ظالمون).
وما تنزلت به الشيطين (210) وما ينبغي لهم وما يستطيعون (211) إنهم عن السمع لمعزولون (212) يقول تعالى مخبرا عن كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد أنه نزل به الروح الأمين المؤيد من الله (وما تنزلت به الشياطين) ثم ذكر أنه يمتنع عليهم ذلك من ثلاثة أوجه أحدها: أنه ما ينبغي لهم أي ليس هو من بغيتهم ولا من طلبتهم لان من سجاياهم الفساد وإضلال العباد وهذا فيه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ونور وهدى وبرهان عظيم فبينه وبين الشياطين منافاة عظيمة، ولهذا قال تعالى (وما ينبغي لهم) وقوله تعالى (وما يستطيعون) أي ولو انبغى لهم لما استطاعوا ذلك قال الله تعالى (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا