أخوهم شعيب لانهم نسبوا إلى عبادة الأيكة وهي شجرة وقيل شجر ملتف كالغيضة كانوا يعبدونها فلهذا لما قال:
كذب أصحاب الأيكة المرسلين لم يقل: إذ قال لهم أخوهم شعيب وإنما قال (إذ قال لهم شعيب) فقطع نسب الاخوة بينهم للمعنى الذي نسبوا إليه وإن كان أخاهم نسبا. ومن الناس من لم يفطن لهذه النكتة فظن أن أصحاب الأيكة غير أهل مدين فزعم أن شعيبا عليه السلام بعثه الله إلى أمتين ومنهم من قال ثلاث أمم وقد روى إسحاق بن بشر الكاهلي - وهو ضعيف - حدثني ابن السدي عن أبيه وزكريا بن عمرو عن خصيف عن عكرمة قالا: ما بعث الله نبيا مرتين إلا شعيبا مرة إلى مدين فأخذهم الله بالصيحة ومرة إلى أصحاب الأيكة فأخذهم الله تعالى بعذاب يوم الظلة وروى أبو القاسم البغوي عن هدبة عن همام عن قتادة في قوله تعالى (وأصحاب الرس) قوم شعيب وقوله (وأصحاب الأيكة) قوم شعيب وقاله إسحاق بن بشر. وقال غير جويبر أصحاب الأيكة ومدين هما واحد والله أعلم. وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة شعيب من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن أبيه عن معاوية بن هشام عن هشام بن سعيد عن سعيد بن أبي هلال عن ربيعة بن يوسف عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن قوم مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله إليهما شعيبا النبي عليه السلام " وهذا غريب وفي رفعه نظر والأشبه أن يكون موقوفا. والصحيح أنهم أمة واحدة وصفوا في كل مقام بشئ ولهذا وعظ هؤلاء وأمرهم بوفاء المكيال والميزان كما في قصة مدين سواء بسواء فدل ذلك على أنهما أمة واحدة.
* أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين (181) وزنوا بالقسطاس المستقيم (182) ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين (183) واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين (184) يأمرهم عليه السلام بإيفاء المكيال والميزان وينهاهم عن التطفيف فيهما فقال (أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين) أي إذا دفعتم للناس فكملوا الكيل لهم ولا تبخسوا الكيل فتعطوه ناقصا وتأخذوه إذا كان لكم تاما وافيا ولكن خذوا كما تعطون وأعطوا كما تأخذون (وزنوا بالقسطاس المستقيم) والقسطاس هو الميزان وقيل هو القبان قال بعضهم هو معرب من الرومية قال مجاهد القسطاس المستقيم هو العدل بالرومية. وقال قتادة القسطاس العدل وقوله (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) أي لا تنقصوهم أموالهم (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) يعني قطع الطريق كما قال في الآية الأخرى (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون) وقوله (واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين) يخوفهم بأس الله الذي خلقهم وخلق آباءهم الأوائل كما قال موسى عليه السلام (ربكم ورب آباءكم الأولين) قال ابن عباس ومجاهد والسدي وسفيان بن عيينة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم (والجبلة الأولين) يقول خلق الأولين وقرأ ابن زيد (ولقد أضل منكم جبلا كثيرا).
قالوا إنما أنت من المسحرين (185) وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين (186) فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصدقين (187) قال رب اعلم بما تعملون (188) فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم (189) إن في ذلك لاية وما كان أكثرهم مؤمنين (190) وإن ربك لهو العزيز الرحيم (191) يخبر تعالى عن جواب قومه له بمثل ما أجابت به ثمود لرسولها تشابهت قلوبهم حيث قالوا (إنما أنت من المسحرين) يعنون من المسحورين كما تقدم (وما أنت إلا بشر مثلنا له إن نظنك لمن الكاذبين) أي تتعمد الكذب فيما تقوله لا أن الله أرسلك إلينا (فأسقط علينا كسفا من السماء) قال الضحاك: جانبا من السماء، وقال قتادة قطعا من السماء وقال السدي عذابا من السماء. وهذا شبيه بما قالت قريش فيما أخبر الله عنهم في قوله