ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون * تنزيل من رب العالمين) وهكذا قال ههنا (وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين) - إلى أن قال - (وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون) - إلى أن قال - (هل أنبئكم على من تنزل الشياطين * تنزل على كل أفاك أثيم * يلقون السمع وأكثرهم كاذبون * والشعراء يتبعهم الغاوون * ألم تر أنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون) وقوله (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) قال محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي الحسن سالم البراد بن عبد الله مولى تميم الداري قال: لما نزلت (والشعراء يتبعهم الغاوون) جاء حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون قالوا: قد علم الله حين أنزل هذه الآية أنا شعراء فتلا النبي صلى الله عليه وسلم (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) قال " أنتم " (وذكروا الله كثيرا) قال " أنتم " (وانتصروا من بعد ما ظلموا) قال " أنتم " رواه ابن أبي حاتم وابن جرير من رواية ابن إسحاق وقد روى ابن أبي حاتم أيضا عن أبي سعيد الأشج عن أبي أسامة عن الوليد بن أبي كثير عن زيد بن عبد الله عن أبي الحسن مولى بني نوفل أن حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت هذه الآية (والشعراء يتبعهم الغاوون) يبكيان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرؤها عليهما (والشعراء يتبعهم الغاوون - حتى بلغ - إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) قال " أنتم " وقال أيضا حدثنا أبي حدثنا أبو مسلم حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عروة قال: لما نزلت (والشعراء يتبعهم الغاوون) إلى قوله (وأنهم يقولون ما لا يفعلون) قال عبد الله بن رواحة يا رسول الله قد علم الله أني منهم فأنزل الله تعالى (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) الآية وهكذا قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة وزيد بن أسلم وغير واحد أن هذا استثناء مما تقدم. ولا شك أنه استثناء ولكن هذه السورة مكية فكيف يكون سبب نزول هذه الآيات شعراء الأنصار؟ وفي ذلك نظر ولم يتقدم إلا مرسلات لا يعتمد عليها والله أعلم ولكن هذا الاستثناء يدخل فيه شعراء الأنصار وغيرهم حتى يدخل فيه من كان متلبسا من شعراء الجاهلية بذم الاسلام وأهله ثم تاب وأناب ورجع وأقلع وعمل صالحا وذكر الله كثيرا في مقابلة ما تقدم من الكلام السيئ فإن الحسنات يذهبن السيئات وامتدح الاسلام وأهله في مقابلة ما كان يذمه كما قال عبد الله بن الزبعري حين أسلم:
يا رسول المليك إن لساني * راتق ما فتقت إذ أنا بور إذ أباري الشيطان في سنن الغ * ي ومن مال ميله مثبور وكذلك أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب كان من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن عمه وأكثرهم له هجوا فلما أسلم لم يكن أحد أحب إليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما كان يهجوه ويتولاه بعد ما كان قد عاداه وهكذا روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس أن أبا سفيان صخر بن حرب لما أسلم قال يا رسول الله ثلاث أعطنيهن قال " نعم " قال: معاوية تجعله كاتبا بين يديك قال " نعم " قال وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال " نعم " وذكر الثالثة ولهذا قال تعالى: " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا " قيل معناه ذكروا الله كثيرا في كلامهم وقيل في شعرهم وكلاهما صحيح مكفر لما سبق وقوله تعالى: (وانتصروا من بعد ما ظلموا) قال ابن عباس يردون على الكفار الذين كانوا يهجون به المؤمنين وكذا قال مجاهد وقتادة وغير واحد وهذا كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان " اهجهم - أو قال - هاجهم وجبريل معك " وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل قد أنزل في الشعراء ما أنزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل " وقوله تعالى: (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) كقوله تعالى: (يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم) الآية وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة " قال قتادة بن دعامة في قوله تعالى: (وسيعلم الذين ظلموا أي