عن رجال من الأنصار قريبا من هذا وسيأتي عند قوله تعالى في سبأ (حتى إذا فزع عن قلوبهم) الآية وقال البخاري وقال الليث حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال أن أبا الأسود أخبره عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الملائكة تحدث في العنان - والعنان الغمام - بالامر في الأرض فتسمع الشياطين الكلمة فتقرها في أذن الكاهن كما تقر القارورة فيزيدون معها مائة كذبة " ورواه البخاري في موضع آخر من كتاب بدء الخلق عن سعيد بن أبي زيد عن الليث عن عبد الله بن أبي جعفر عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن عن عروة عن عائشة بنحوه. وقوله تعالى (والشعراء يتبعهم الغاوون) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعني الكفار يتبعهم ضلال الإنس والجن وكذا قال مجاهد رحمه الله وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهما وقال عكرمة كان الشاعران يتهاجيان فينتصر لهذا فئام من الناس ولهذا فئام من الناس فأنزل الله تعالى (والشعراء يتبعهم الغاوون). وقال الإمام أحمد حدثنا قتيبة حدثنا ليث عن ابن الهاد عن يحنس مولى مصعب بن الزبير عن أبي سعيد قال: بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج إذ عرض شاعر ينشد فقال النبي صلى الله عليه وسلم " خذوا الشيطان - أو - أمسكوا الشيطان لان يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا " وقوله تعالى (ألم تر أنهم في كل واد يهيمون) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في كل لغو يخوضون وقال الضحاك عن ابن عباس في كل فن من الكلام وكذا قال مجاهد وغيره وقال الحسن البصري قد والله رأينا أوديتهم التي يخوضون فيها مرة في شتيمة فلان ومرة في مديحة فلان وقال قتادة: الشاعر يمدح قوما بباطل ويذم قوما بباطل. وقوله تعالى (وأنهم يقولون ما لا يفعلون) قال العوفي عن ابن عباس كان رجلان على عهد رسول الله أحدهما من الأنصار والآخر من قوم آخرين وأنهما تهاجيا فكان مع كل واحد منهما غواة من قومه وهم السفهاء فقال الله تعالى (والشعراء يتبعهم الغاوون * ألم تر أنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون) وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أكثر قولهم يكذبون فيه وهذا الذي قاله ابن عباس رضي الله عنه هو الواقع في نفس الامر فإن الشعراء يتبجحون بأقوال وأفعال لم تصدر منهم ولا عنهم فيتكثرون بما ليس لهم ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله فيما إذا اعترف الشاعر في شعره بما يوجب حدا هل يقام عليه بهذا الاعتراف أم لا لانهم يقولون ما لا يفعلون؟ على قولين وقد ذكر محمد بن إسحاق ومحمد بن سعد في الطبقات والزبير بن بكار في كتاب الفكاهة أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل النعمان بن عدي بن نضلة علي ميسان من أرض البصرة وكان يقول الشعر فقال:
ألا هل أتى الحسناء أن خليلها * بميسان يسقي في زجاج وحنتم إذا شئت غنتني دهاقين قرية * ورقاصة تحنو علي كل مبسم فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني * ولا تسقني بالأصغر المتثلم لعل أمير المؤمنين يسوءه * تنادمنا بالجوسق المتهدم فلما بلغ ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال أي والله إنه ليسوءني ذلك ومن لقيه فليخبره أني قد عزلته وكتب إليه عمر (بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم * غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير) أما بعد فقد بلغني قولك:
لعل أمير المؤمنين يسوءه * تنادمنا بالجوسق المتهدم وأيم الله إنه ليسوءني وقد عزلتك. فلما قدم على عمر بكته بهذا الشعر فقال والله يا أمير المؤمنين ما شربتها قط وما ذاك الشعر إلا شئ طفح على لساني فقال عمر أظن ذلك ولكن والله لا تعمل لي عملا أبدا وقد قلت ما قلت فلم يذكر أنه حده على الشراب وقد ضمنه شعره لانهم يقولون ما لا يفعلون ولكن ذمه عمر رضي الله عنه ولامه على ذلك وعزله به ولهذا جاء في الحديث " لان يمتلئ جوف أحدكم قيحا يريه خير له من أن يمتلئ شعرا " والمراد من هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه هذه القرآن ليس بكاهن ولا بشاعر لان حاله مناف لحالهم من وجوه ظاهرة كما قال تعالى (وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين) وقال تعالى (إنه لقول رسول كريم * وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون *