تعالى (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) - إلى أن قالوا - (أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا) وقوله (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء) الآية وهكذا قال هؤلاء الكفار الجهلة (فأسقط علينا كسفا من السماء) الآية (قال ربي أعلم بما تعملون) يقول الله أعلم بكم فإن كنتم تستحقون ذلك جازاكم به وهو غير ظالم لكم وهكذا وقع بهم جزاء كما سألوا جزاء وفاقا ولهذا قال تعالى (فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم) وهذا من جنس ما سألوه من إسقاط الكسف عليهم فإن الله سبحانه وتعالى جعل عقوبتهم أن أصابهم حر عظيم مدة سبعة أيام لا يكنهم منه شئ ثم أقبلت إليهم سحابة أظلتهم فجعلوا ينطلقون إليها يستظلون بظلها من الحر فلما اجتمعوا كلهم تحتها أرسل الله تعالى عليهم منها شررا من نار ولهبا ووهجا عظيما ورجفت بهم الأرض وجاءتهم صيحة عظيمة أزهقت أرواحهم ولهذا قال تعالى (إنه كان عذاب يوم عظيم) وقد ذكر الله تعالى صفة إهلاكهم في ثلاثة مواطن كل موطن بصفة تناسب ذلك السياق ففي الأعراف ذكر أنهم أخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين وذلك لانهم قالوا (لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا) فأرجفوا نبي الله ومن اتبعه فأخذتهم الرجفة وفي سورة هود قال (فأخذتهم الصيحة) وذلك لانهم استهزءوا بنبي الله في قولهم (أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لانت الحليم الرشيد) قالوا ذلك على سبيل التهكم والازدراء فناسب أن تأتيهم صيحة تسكتهم فقال (فأخذتهم الصيحة) الآية وههنا قالوا (فأسقط علينا كسفا من السماء) الآية على وجه التعنت والعناد فناسب أن يحقق عليهم ما استبعدوا وقوعه (فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم) قال قتادة: قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: إن الله سلط عليهم الحر سبعة أيام حتى ما يظلهم منه شئ ثم إن الله أنشأ لهم سحابة فانطلق إليها أحدهم فاستظل بها فأصاب تحتها بردا وراحة فأعلم بذلك قومه فأتوها جميعا فاستظلوا تحتها فأججت عليهم نارا وهكذا روي عن عكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغيرهم وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم بعث الله إليهم الظلة حتى إذا اجتمعوا كلهم كشف الله عنهم الظلة وأحمى عليهم الشمس فاحترقوا كما يحترق الجراد في المقلى وقال محمد بن كعب القرظي: إن أهل مدين عذبوا بثلاثة أصناف من العذاب: أخذتهم الرجفة في دارهم حتى خرجوا منها فلما خرجوا منها أصابهم فزع شديد ففرقوا أن يدخلوا إلى البيوت فتسقط عليهم فأرسل الله عليهم الظلة فدخل تحتها رجل فقال ما رأيت كاليوم ظلا أطيب ولا أبرد من هذا هلموا أيها الناس فدخلوا جميعا تحت الظلة فصاح بهم صيحة واحدة فماتوا جميعا ثم تلا محمد بن كعب (فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم) وقال محمد بن جرير حدثني الحارث حدثني الحسن حدثني سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد حدثنا حاتم بن أبي صغيرة حدثني يزيد الباهلي سألت ابن عباس عن هذه الآية (فأخذهم عذاب يوم الظلة) الآية قال بعث الله عليهم رعدا وحرا شديدا فأخذ بأنفاسهم فخرجوا من البيوت هرابا إلى البرية فبعث الله عليهم سحابة فأظلتهم من الشمس فوجدوا لها بردا ولذة فنادى بعضهم بعضا حتى إذا اجتمعوا تحتها أرسل الله عليهم نارا قال ابن عباس فذلك عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم (إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم) أي العزيز في انتقامه من الكافرين الرحيم بعباده المؤمنين.
وإنه لتنزيل رب العلمين (192) نزل به الروح الأمين (193) على قلبك لتكون من المنذرين (194) بلسان عربي مبين (195) يقول تعالى مخبرا عن الكتاب الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم (وإنه) أي القرآن الذي تقدم ذكره في أول السورة في قوله (وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) الآية (لتنزيل رب العالمين) أي أنزله الله عليك