الكافرين في هذا اليوم، وأما المؤمنون فكما قال تعالى: " لا يحزنهم الفزع الأكبر " الآية. وروى الإمام أحمد حدثنا حسين بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال: قيل يا رسول الله يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ما أطول هذا اليوم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا " وقوله تعالى: " ويوم يعض الظالم على يديه " الآية يخبر تعالى عن ندم الظالم الذي فارق طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله من الحق المبين الذي لا مرية فيه وسلك طريقا أخرى غير سبيل الرسول فإذا كان يوم القيامة ندم حيث لا ينفعه الندم وعض على يديه حسرة وأسفا وسواء كان سبب نزولها في عقبة بن أبي معيط أو غيره من الأشقياء فإنها عامة في كل ظالم كما قال تعالى: " يوم تقلب وجوههم في النار " الآيتين فكل ظالم يندم يوم القيامة غاية الندم، ويعض على يديه قائلا: " يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا " يعني من صرفه عن الهدى وعدل به إلى طريق الضلال من دعاة الضلالة، وسواء في ذلك أمية بن خلف أو أخوه أبي بن خلف أو غيرهما " لقد أضلني عن الذكر " وهو القرآن " بعد إذ جاءني " أي بعد بلوغه إلي قال الله تعالى " وكان الشيطان للانسان خذولا " أي يخاذله عن الحق ويصرفه عنه ويستعمله في الباطل ويدعوه إليه.
وقال الرسول يرب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا (30) وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا (31) يقول تعالى مخبرا عن رسوله ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا " وذلك أن المشركين كانوا لا يصغون للقرآن ولا يستمعونه كما قال تعالى: " وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه " الآية فكانوا إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره حتى لا يسمعونه. فهذا من هجرانه، وترك الايمان به وترك تصديقه من هجرانه، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أو امره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه فنسأل الله الكريم المنان القادر على ما يشاء أن يخلصنا مما يسخطه، ويستعملنا فيما يرضيه من حفظ كتابه وفهمه والقيام بمقتضاه آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يحبه ويرضاه إنه كريم وهاب وقوله تعالى:
" وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين " أي كما حصل لك يا محمد في قومك من الذين هجروا القرآن كذلك كان في الأمم الماضين لان الله جعل لكل نبي عدوا من المجرمين يدعون الناس إلى ضلالهم وكفرهم كما قال تعالى: " وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن " الآيتين ولهذا قال تعالى ههنا " وكفى بربك هاديا ونصيرا " أي لمن اتبع رسوله وآمن بكتابه وصدقه واتبعه فإن الله هاديه وناصره في الدنيا والآخرة وإنما قال " هاديا ونصيرا " لان المشركين كانوا يصدون الناس عن اتباع القرآن لئلا يهتدي أحد به ولتغلب طريقتهم طريقة القرآن فلهذا قال: " وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين " الآية.
وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا (32) ولا يأتونك بمثل إلا جئنك بالحق وأحسن تفسيرا (33) الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا (34) يقول تعالى مخبرا عن كثرة اعتراض الكفار وتعنتهم وكلامهم فيما لا يعنيهم حيث قالوا: " لولا نزل عليه القرآن