وهم معرضون " وقال " ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين * بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه - إلى قوله - بمبعوثين " فهذا من باب علمه تعالى بما لا يكون لو كان كيف يكون، قال الضحاك عن ابن عباس: كل ما فيه (لو) فهو مما لا يكون أبدا.
ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون (76) حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون (77) وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصر والأفئدة قليلا ما تشكرون (78) وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون (79) وهو الذي يحي ويميت وله اختلف الليل والنهار أفلا تعقلون (80) بل قالوا مثل ما قال الأولون (81) قالوا أإذا متنا وكنا ترابا وعظما أإنا لمبعوثون (82) لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين (83) يقول تعالى " ولقد أخذناهم بالعذاب " أي ابتليناهم بالمصائب والشدائد " فما استكانوا لربهم وما يتضرعون " أي فما ردهم ذلك عما كانوا فيه من الكفر والمخالفة بل استمروا على غيهم وضلالهم " فما استكانوا " أي ما خشعوا " وما يتضرعون " أي ما دعوا كما قال تعالى " فلولا إذا جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم " الآية، وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن حمزة المروزي حدثنا علي بن الحسين حدثنا أبي عن يزيد - يعني النحوي - عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أنشدك الله والرحم فقد أكلنا العلهز - يعني الوبر والدم - فأنزل الله " ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا " الآية، وكذا رواه النسائي عن محمد بن عقيل عن علي بن الحسين عن أبيه به، وأصله في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على قريش حين استعصوا فقال " اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف ". وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا عبد الله بن إبراهيم عن عمر بن كيسان حدثني وهب بن عمر بن كيسان قال: حبس وهب بن منبه فقال له رجل من الأبناء ألا أنشدك بيتا من شعر يا أبا عبد الله؟ فقال وهب: نحن في طرف من عذاب الله والله يقول " ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون " قال وصام وهب ثلاثا متواصلة فقيل له ما هذا الصوم يا أبا عبد الله؟ قال أحدث لنا فأحدثنا: يعني أحدث لنا الحبس فأحدثنا زيادة عبادة. وقوله " حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون " أي حتى إذا جاءهم أمر الله وجاءتهم الساعة بغتة فأخذهم من عذاب الله ما لم يكونوا يحتسبون فعند ذلك أبلسوا من كل خير وأيسوا من كل راحة وانقطعت آمالهم ورجاؤهم. ثم ذكر تعالى نعمه على عباده أن جعل لهم السمع والابصار والأفئدة وهي العقول والفهوم التي يذكرون بها الأشياء ويعتبرون بما في الكون من الآيات الدالة على وحدانية الله وأنه الفاعل المختار لما يشاء.
وقوله " قليلا ما تشكرون " أي ما أقل شكركم لله على ما أنعم به عليكم كقوله " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " ثم أخبر تعالى عن قدرته العظيمة وسلطانه القاهر في برئه الخليقة وذرئه لهم في سائر أقطار الأرض على اختلاف أناسهم ولغاتهم وصفاتهم ثم يوم القيامة يجمع الأولين منهم والآخرين لميقات يوم معلوم، فلا يترك منهم صغيرا ولا كبيرا ولا ذكرا ولا أنثى ولا جليلا ولا حقيرا إلا أعاده كما بدأه ولهذا قال " وهو الذي يحيي ويميت " أي يحيي الرمم، ويميت الأمم " وله اختلاف الليل والنهار " أي وعن أمره تسخير الليل والنهار كل منهما يطلب الآخر طلبا حثيثا يتعاقبان لا يفتران ولا يفترقان بزمان غيرهما كقوله " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار " الآية. وقوله " أفلا تعقلون " أي أفليس لكم عقول تدلكم على العزيز العليم الذي قد قهر كل شئ وعز كل شئ وخضع له كل شئ، ثم قال مخبرا عن منكري البعث الذين أشبهوا من قبلهم من