مجاهد وأبو صالح والسدي: الحق هو الله عز وجل والمراد لو أجابهم الله إلى ما في أنفسهم من الهوى وشرع الأمور على وفق ذلك لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن أي لفساد أهوائهم واختلافها كما أخبر عنهم في قولهم " لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " ثم قال " أهم يقسمون رحمة ربك " وقال تعالى " قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لامسكتم خشية الانفاق " الآية، وقال " أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا " ففي هذا كله تبيين عجز العباد واختلاف آرائهم وأهوائهم، وأنه تعالى هو الكامل في جميع صفاته وأقواله وأفعاله وشرعه وقدره وتدبيره لخلقه تعالى وتقدس فلا إله غيره ولا رب سواه، ولهذا قال " بل أتيناهم بذكرهم " أي القرآن " فهم عن ذكرهم معرضون " وقوله " أم تسألهم خرجا " قال الحسن أجرا، وقال قتادة جعلا " فخراج ربك خير " أي أنت لا تسألهم أجرة ولا جعلا ولا شيئا على دعوتك إياهم إلى الهدى بل أنت في ذلك تحتسب عند الله جزيل ثوابه كما قال " قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله " وقال " قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين " وقال " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " وقال " وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا " وقوله " وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم * وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون " قال الإمام أحمد حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه فيما يرى النائم ملكان فقعد أحدهما عند رجليه والآخر عند رأسه فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: اضرب مثل هذا ومثل أمته، فقال إن مثل هذا ومثل أمته كمثل قوم سفر انتهوا إلى مفازة فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة ولا ما يرجعون به فبينما هم كذلك إذ أتاهم رجل في حلة حبرة فقال أرأيتم إن أوردتكم رياضا معشبة وحياضا رواء تتبعوني؟ فقالوا نعم، قال فانطلق بهم وأوردهم رياضا معشبة وحياضا رواء فأكلوا وشربوا وسمنوا فقال لهم ألم ألقاكم على تلك الحال فجعلت لي إن وردت بكم رياضا معشبة وحياضا رواء أن تتبعوني؟ قالوا بلى، قال فإن بين أيديكم رياضا أعشب من هذه وحياضا هي أروى من هذه فاتبعوني قال فقالت طائفة صدق والله لنتبعه وقالت طائفة قد رضينا بهذا نقيم عليه، وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي حدثنا زهير حدثنا يونس بن محمد حدثنا يعقوب ابن عبد الله الأشعري حدثنا حفص بن حميد عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني ممسك بحجزكم هلم عن النار هلم عن النار وتغلبونني تتقاحمون فيها تقاحم الفراش والجنادب فأوشك أن أرسل حجزكم وأنا فرطكم على الحوض فتردون علي معا وأشتاتا أعرفكم بسيماكم وأسمائكم كما يعرف الرجل الغريب من الإبل في إبله فيذهب بكم ذات اليمين وذات الشمال فأناشد فيكم رب العالمين أي رب قومي أزي رزب أمتي، فيقال يا محمد إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم كانوا يمشون بعدك القهقرى على أعقابهم، فلأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء ينادي يا محمد يا محمد فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد بلغت، ولاعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل بعيرا له رغاء ينادي يا محمد يا محمد فأقول لا أملك لك شيئا قد بلغت، ولاعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرسا لها حمحمة فينادي يا محمد يا محمد فأقول لا أملك لك شيئا قد بلغت، ولاعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل سقاء من أدم ينادي يا محمد يا محمد فأقول لا أملك لك شيئا قد بلغت " وقال علي بن المديني هذا حديث حسن الاسناد إلا أن حفص بن حميد مجهول لا أعلم روى عنه غير يعقوب بن عبد الله الأشعري القمي. (قلت) بل قد روى عنه أيضا أشعث بن إسحاق، وقال فيه يحيى بن معين: صالح ووثقه النسائي وابن حبان وقوله " وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون " أي لعادلون جائرون منحرفون تقول العرب نكب فلان عن الطريق إذا زاغ عنها " ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون " يخبر تعالى عن غلظهم في كفرهم بأنه لو أزاح عنهم الضر وأفهمهم القرآن لما انقادوا له ولاستمروا على كفرهم وعنادهم وطغيانهم كما قال تعالى " ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا