" إلى ربوة ذات قرار ومعين " هو بيت المقدس فهذا والله أعلم هو الاظهر لأنه المذكور في الآية الأخرى والقرآن يفسر بعضه بعضا وهذا أولى ما يفسر به ثم الأحاديث الصحيحة ثم الآثار.
يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صلحا إني بما تعملون عليم (51) وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون (52) فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون (53) فذرهم في غمرتهم حتى حين (54) أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين (55) نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون (56) يأمر تعالى عباده المرسلين عليهم الصلاة والسلام أجمعين بالاكل من الحلال والقيام بالصالح من الأعمال فدل هذا على أن الحلال عون على العمل الصالح فقام الأنبياء عليهم السلام بهذا أتم القيام وجمعوا بين كل خير قولا وعملا ودلالة ونصحا فجزاهم الله عن العباد خيرا. قال الحسن البصري في قوله " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات " قال أما والله ما أمركم بأصفركم ولا أحمركم ولا حلوكم ولا حامضكم ولكن قال انتهوا إلى الحلال منه، وقال سعيد بن جبير والضحاك " كلوا من الطيبات " يعني الحلال، وقال أبو إسحاق السبيعي عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل كان عيسى ابن مريم يأكل من غزل أمه، وفي الصحيح " وما من نبي إلا رعى الغنم - قالوا وأنت يا رسول الله؟ - قال نعم وأنا كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة " وفي الصحيح " إن داود عليه السلام كان يأكل من كسب يده " وفي الصحيحين " إن أحب الصيام إلى الله صيام داود وأحب القيام إلى الله قيام داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وكان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقي " وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع حدثنا أبو بكر بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب أن أم عبد الله بنت شداد بن أوس قالت بعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن عند فطره وهو صائم وذلك في أول النهار وشدة الحر فرد إليها رسولها أنى كانت لك الشاة؟ فقالت اشتريتها من مالي، فشرب منه، فلما كان من الغد أتته أم عبد الله بنت شداد فقالت يا رسول الله بعثت إليك بلبن مرثية لك من طول النهار وشدة الحر فرددت إلي الرسول فيه، فقال لها " بذلك أمرت الرسل أن لا تأكل إلا طيبا ولا تعمل إلا صالحا " وقد ثبت في صحيح مسلم وجامع الترمذي ومسند الإمام أحمد واللفظ له من حديث فضيل بن مرزوق عن عدي بن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم " وقال " يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم " ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب فأنى يستجاب لذلك " وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث فضيل بن مرزوق. وقوله " وإن هذه أمتكم أمة واحدة " أي دينكم يا معشر الأنبياء دين واحد وملة واحدة وهو الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له ولهذا قال " وأنا ربكم فاتقون " وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة الأنبياء، وإن قوله " أمة واحدة " منصوب على الحال وقوله " فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا " أي الأمم الذين بعثت إليهم الأنبياء " كل حزب بما لديهم فرحون " أي يفرحون بما هم فيه من الضلال لانهم يحسبون أنهم مهتدون ولهذا قال متهددا لهم ومتواعدا " فذرهم في غمرتهم " أي في غيهم وضلالهم " حتى حين " أي إلى حين حينهم وهلاكهم كما قال تعالى " فمهل الكافرين أمهلهم رويدا " وقال تعالى " ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون " وقوله " أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون " يعني أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعطيهم من الأموال والأولاد لكرامتهم علينا ومعزتهم عندنا كلا ليس الامر كما يزعمون في قولهم " نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين " لقد أخطئوا في ذلك وخاب رجاؤهم بل إنما نفعل بهم ذلك استدراجا وإنظارا وإملاء ولهذا قال " بل لا يشعرون " كما قال تعالى " فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد