المكذبين " بل قالوا مثل ما قال الأولون * قالوا أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون " يعني يستبعدون وقوع ذلك بعد صيرورتهم إلى البلى " لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل، إن هذا إلا أساطير الأولين " يعنون الإعادة محال إنما يخبر بها من تلقاها عن كتب الأولين واختلافهم، وهذا الانكار التكذيب منهم كقوله إخبارا عنهم " أئذا كنا عظاما نخرة * قالوا تلك إذا كرة خاسرة * فإنما هي زجرة واحدة * فإذا هم بالساهرة " وقال تعالى " أو لم ير الانسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين * وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم " الآيات.
قل لمن في الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون (84) سيقولون لله قل أفلا تذكرون (85) قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم (86) سيقولون لله قل أفلا تتقون (87) قل من بيده ملكوت كل شئ وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون (88) سيقولون لله قل فأنى تسحرون (89) بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون (90) يقرر تعالى وحدانيته واستقلاله بالخلق والتصرف والملك ليرشد إلى أنه الله الذي لا إله إلا هو ولا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له ولهذا قال لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين العابدين معه غيره المعترفين به بالربوبية وأنه لا شريك له فيها مع هذا فقد أشركوا معه في الإلهية فعبدوا غيره معه مع اعترافهم أن الذين عبدوهم لا يخلقون شيئا ولا يملكون شيئا ولا يستبدون بشئ بل اعتقدوا أنهم يقربونهم إليه زلفى " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " فقال " قل لمن الأرض ومن فيها " أي من مالكها الذي خلقها ومن فيها من الحيوانات والنباتات والثمرات وسائر صنوف المخلوقات " إن كنتم تعلمون سيقولون لله " أي فيعترفون لك بأن ذلك لله وحده لا شريك له، فإذا كان ذلك " قل أفلا تذكرون " أنه لا تنبغي العبادة إلا للخالق الرازق لا لغيره " قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم " أي من هو خالق العالم العلوي بما فيه من الكواكب النيرات والملائكة الخاضعين له في سائر الأقطار منها والجهات، ومن هو رب العرش العظيم يعني الذي هو سقف المخلوقات كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " شأن الله أعظم من ذلك إن عرشه على سماواته هكذا " وأشار بيده مثل القبة، وفي الحديث الآخر " ما السماوات السبع والأرضون السبع وما بينهن وما فيهن في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وإن الكرسي بما فيه بالنسبة إلى العرش كتلك الحلقة في تلك الفلاة ". ولهذا قال بعض السلف: إن مسافة ما بين قطري العرش من جانب إلى جانب مسيره خمسين ألف سنة، وارتفاعه عن الأرض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة، وقال الضحاك عن ابن عباس: إنما سمي عرشا لارتفاعه. وقال الأعمش عن كعب الأحبار:
إن السماوات والأرض في العرش كالقنديل المعلق بين السماء والأرض، وقال مجاهد: ما السماوات والأرض في العرش إلا كحلقة في أرض فلاة. وقال ابن أبي حاتم حدثنا العلاء بن سالم حدثنا وكيع حدثنا سفيان الثوري عن عمار الذهبي عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: العرش لا يقدر قدره أحد. وفي رواية:
إلا الله عز وجل، وقال بعض السلف: العرش من ياقوتة حمراء ولهذا قال ههنا " ورب العرش العظيم " أي الكبير وقال في آخر السورة " رب العرش الكريم " أي الحسن البهي فقد جمع العرش بين العظمة في الاتساع والعلو والحسن الباهر ولهذا قال من قال إنه من ياقوتة حمراء، وقال ابن مسعود: إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار، نور العرش من نور وجهه. وقوله " سيقولون لله قل أفلا تتقون " أي إذا كنتم تعترفون بأنه رب السماوات ورب العرش العظيم أفلا تخافون عقابه وتحذرون عذابه في عبادتكم معه غيره وإشراككم به. قال أبو بكر عبد الله ابن محمد بن أبي الدنيا القرشي في كتاب التفكر والاعتبار: حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبيد الله بن جعفر أخبرني عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يحدث عن امرأة كانت في الجاهلية على رأس جبل