يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم " ورواه ابن جرير عن بندار عن غندر عن شعبة به بنحوه وهو مرسل، وقد رواه البزار في مسنده عن يوسف بن حماد عن أمية بن خالد عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فيما أحسب الشك في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بمكة سورة النجم حتى انتهى إلى " أفرأيتم اللات والعزى " وذكر بقيته، ثم قال البزار لا نعلمه يروي متصلا إلا بهذا الاسناد تفرد بوصله أمية بن خالد وهو ثقة مشهور، وإنما يروي هذا من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، ثم رواه ابن أبي حاتم عن أبي العالية وعن السدي مرسلا وكذا رواه ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس مرسلا أيضا، وقال قتادة كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عند المقام إذ نعس فألقى الشيطان على لسانه وإن شفاعتها لترتجي وإنها لمع الغرانيق العلى فحفظها المشركون وأجرى الشيطان أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قرأها فذلت بها ألسنتهم فأنزل الله " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي " الآية فدحر الله الشيطان، ثم قال ابن أبي حاتم حدثنا موسى بن أبي موسى الكوفي حدثنا محمد بن إسحاق الشيبي حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: أنزلت سورة النجم وكان المشركون يقولون لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه، ولكنه لا يذكر من خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر آلهتنا من الشتم والشر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اشتد عليه ما ناله وأصحابه من أذاهم وتكذيبهم وأحزنه ضلالهم فكان يتمنى هداهم فلما أنزل الله سورة النجم قال " أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى * ألكم الذكر وله الأنثى " ألقى الشيطان عندها كلمات حين ذكر الله الطواغيت فقال وإنهن لهن الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لهي التي ترتجى، وكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة وذلت بها ألسنتهم وتباشروا بها وقالوا إن محمدا قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر النجم سجد وسجد كل من حضره من مسلم أو مشرك غير أن الوليد بن المغيرة كان رجلا كبيرا فرفع ملء كفه تراب فسجد عليه فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود لسجود رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما المسلمون فعجبوا لسجود المشركين معهم على غير إيمان ولا يقين ولم يكن المسلمون سمعوا الذي ألقى الشيطان في مسامع المشركين فاطمأنت أنفسهم لما ألقى الشيطان في أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثهم به الشيطان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرأها في السورة فسجدوا لتعظيم آلهتهم ففشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتى بلغت أرض الحبشة ومن بها من المسلمين عثمان بن مظعون وأصحابه وتحدثوا أن أهل مكة قد أسلموا كلهم وصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة على التراب على كفه وحدثوا أن المسلمين قد أمنوا بمكة فأقبلوا سراعا وقد نسخ الله ما ألقى الشيطان وأحكم الله آياته وحفظه من القرية، وقال الله " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم * ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد " فلما بين الله قضاءه وبرأه من سجع الشيطان انقلب المشركون بضلالتهم وعداوتهم المسلمين واشتدوا عليهم وهذا أيضا مرسل، وفي تفسير ابن جرير عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام نحوه، وقد رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه دلائل النبوة فلم يجز به موسى بن عقبة ساقه من مغازيه بنحوه قال وقد روينا عن أبي إسحاق هذه القصة (قلت) وقد ذكرها محمد بن إسحاق في السيرة بنحو من هذا وكلها مرسلات ومنقطعات والله أعلم، وقد ساقها البغوي في تفسره مجموعة من كلام ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي وغيرهما بنحو من ذلك ثم سأل ههنا سؤالا كيف وقع مثل هذا مع العصمة المضمونة من الله تعالى لرسوله صلاة الله وسلامه عليه، ثم حكى أجوبة عن الناس من ألطفها أن الشيطان أوقع في مسامع المشركين ذلك فتوهموا أنه صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس كذلك في نفس الامر بل إنما كان من صنيع الشيطان لا عن رسول الرحمن صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
وهكذا تنوعت أجوبة المتكلمين عن هذا بتقدير صحته، وقد تعرض القاضي عياض رحمه الله في كتاب الشفاء