قلوبهم وصدقوا بالله ورسوله وعملوا بمقتضى ما علموا وتوافق قلوبهم وأقوالهم وأعمالهم " في جنات النعيم " أي لهم النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول ولا يبيد " والذين كفروا وكذبوا بآياتنا " أي كفرت قلوبهم بالحق وجحدته وكذبوا به وخالفوا الرسل واستكبروا عن اتباعهم " فأولئك له عذاب مهين " أي مقابلة استكبارهم وإبائهم عن الحق كقوله تعالى " إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين " أي صاغرين.
والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين (58) ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم (59) * ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور (60) يخبر تعالى من خرج مهاجرا في سبيل الله ابتغاء مرضاته وطلبا لما عنده وترك الأوطان والاهلين والخلان وفارق بلاده في الله ورسوله ونصرة لدين الله ثم قتلوا أي في الجهاد أو ماتوا أي حتف أنفهم من غير قتال على فرشهم فقد حصلوا على الاجر الجزيل والثناء الجميل كما قال تعالى " ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله " وقوله " ليرزقنهم رزقا حسنا " أي ليجرين عليهم من فضله ورزقه من الجنة ما تقر به أعينهم " وإن الله لهو خير الرازقين * ليدخلنهم مدخلا يرضونه " أي الجنة كما قال تعالى " فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة ونعيم " فأخبر أنه يحصل له الراحة والرزق وجنة النعيم كما قال ههنا " ليرزقنهم الله رزقا حسنا " ثم قال " ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم " أي بمن يهاجر ويجاهد في سبيله وبمن يستحق ذلك " حليم " أي يحلم ويصفح ويغفر لهم الذنوب ويكفرها عنهم بهجرتهم إليه وتوكلهم عليه، فأما من قتل في سبيل الله من مهاجر أو غير مهاجر فإنه حي عند ربه يرزق كما قال تعالى " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " والأحاديث في هذا كثيرة كما تقدم، وأما من توفي في سبيل الله من مهاجر أو غير مهاجر فقد تضمنت هذه الآية الكريمة مع الأحاديث الصحيحة إجراء الرزق عليه وعظيم إحسان الله إليه، قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا المسيب بن واضح حدثنا ابن المبارك عن عبد الرحمن بن شريح عن ابن الحارث - يعني عبد الكريم - عن ابن عقبة يعني أبا عبيدة بن عقبة قال: قال شرحبيل بن السمط: طال رباطنا وإقامتنا على حصن بأرض الروم فمر بي سلمان يعني الفارسي رضي الله عنه فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من مات مرابطا أجرى الله عليه مثل ذلك الاجر وأجرى عليه الرزق وأمن من الفتانين واقرأوا إن شئتم " والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين * ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم " وقال أيضا حدثنا أبو زرعة حدثنا زيد بن بشر أخبرني همام أنه سمع أبا قبيل وربيعة بن سيف المعافري يقولان كنا برودس ومعنا فضالة بن عبيد الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بجنازتين إحداهما قتيل والاخرى متوفى فمال ألنا أأسجد على القتيل فقال فضالة ما لي أرى الناس مالوا مع هذا وتركوا هذا؟ فقالوا هذا القتيل في سبيل الله فقال والله ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت اسمعوا كتاب الله " والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا " حتى بلغ آخر الآية وقال أيضا حدثنا أبي حدثنا عبدة بن سليمان أنبأنا ابن المبارك أنبأنا ابن لهيعة حدثنا سلامان بن عامر الشيباني أن عبد الرحمن بن جحدم الخولاني حدثه أنه حضر فضالة بن عبيد في البحر مع جنازتين أحدهما أصيب بمنجنيق والآخر توفي فجلس فضالة بن عبيد عند قبر المتوفى فقيل له تركت الشهيد فلم تجلس عنده فقال ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت إن الله يقول " والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا " الآيتين فما تبتغي أيها العبد إذا أدخلت مدخلا ترضاه ورزقت رزقا حسنا والله ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت. ورواه ابن جرير عن يونس بن عبد الاعلى عن ابن وهب أخبرني