موسى اتخذ نعلين من حديد وعصا ثم سح في الأرض ثم اطلب الآثار والعبر حتى يتخرق النعلان وتنكسر العصا. وقال ابن أبي الدنيا قال بعض الحكماء أحي قلبك بالمواعظ ونوره بالتفكر وموته بالزهد وقوه باليقين وذلله بالموت وقدره بالفناء وبصره فجائع الدنيا وحذره صولة الدهر وفحش تقلب الأيام واعرض عليه أخبار الماضين وذكره ما أصاب من كان قبله وسيره في ديارهم وآثارهم وانظر ما فعلوا وأين حلوا وعم انقلبوا. أي فانظروا ما حل بالأمم المكذبة من النقم والنكال " فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها " أي فيعتبرون بها " فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " أي ليس العمى عمى البصر وإنما العمى عمى البصيرة وإن كانت القوة الباصرة سليمة فإنها لا تنفذ إلى العبر ولا تدري ما الخبر وما أحسن ما قاله بعض الشعراء في هذا المعنى وهو أبو محمد عبد الله بن محمد بن حيان الأندلسي الشنتريني وقد كانت وفاته سنة سبع عشرة وخمسمائة يا من يصيخ إلى داعي الشقاء وقد * نادى به الناعيان الشيب والكبر إن كنت لا تسمع الذكرى ففيم ترى * في رأسك الواعيان السمع والبصر ليس الأصم ولا الأعمى سوى رجل * لم يهده الهاديان العين والأثر لا الدهر يبقى ولا الدنيا ولا الفلك * الاعلى ولا النيران الشمس والقمر ليرحلن عن الدنيا وإن كرها فراقها * الثاويان البدن والحضر ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون (47) وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير (48) يقول تعالى لنبيه صلوات الله وسلامه عليه " ويستعجلونك بالعذاب " أي هؤلاء الكفار الملحدون المكذبون بالله وكتابه ورسوله واليوم الآخر كما قال تعالى " وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم " " وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب " وقوله " ولن يخلف الله وعده " أي الذي وعد من إقامة الساعة والانتقام من أعدائه، والاكرام لأوليائه، قال الأصمعي كنت عند أبي عمرو بن العلاء فجاءه عمرو بن عبيد فقال يا أبا عمرو هل يخلف الله الميعاد؟ فقال لا، فذكر آية وعيد فقال له أمن العجم أنت؟ إن العرب تعد الرجوع عن الوعد لؤما وعن الايعاد كرما أما سمعت قول الشاعر:
ليرهب ابن العم والجار سطوتي * ولا أنثني عن سطوة المتهدد فإني وإن أوعدته أو وعدته * لمخلف إيعادي ومنجز موعدي وقوله " وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون " أي هو تعالى لا يعجل فإن مقدار ألف سنة عند خلقه كيوم واحد عنده بالنسبة إلى حكمه لعلمه بأنه على الانتقام قادر وأنه لا يفوته شئ وإن أجل وأنظر وأملى ولهذا قال بعد هذا " وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير " قال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن عرفة حدثني عبدة بن سليمان عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم خمسمائة عام " ورواه الترمذي والنسائي من حديث الثوري عن محمد ابن عمرو به وقال الترمذي حسن صحيح، وقد رواه ابن جرير عن أبي هريرة موقوفا فقال: حدثني يعقوب ثنا ابن علية ثنا سعيد الجريري عن أبي نضرة عن سمير بن نهار قال: قال أبو هريرة: يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بمقدار نصف يوم، قلت وما مقدار نصف يوم؟ قال أو ما تقرأ القرآن، قلت بلى؟ قال " وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون " وقال أبو داود في آخر كتاب الملاحم من سننه حد ثنا عمرو بن عثمان حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان عن شريح بن عبيد عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إني لأرجو أن لا تعجز