ولا إشكال في شيء من ألفاظها إلا قوله: * (فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما) * فنقول: التقدير، فلما آتاهما ولدا صالحا سويا جعلا له شركاء أي جعل أولادهما له شركاء على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وكذا فيما آتاهما، أي فيما آتي أولادهما ونظيره قوله: * (واسأل القرية) * (يوسف: 82) أي واسأل أهل القرية.
فإن قيل: فعلى هذا التأويل ما الفائدة في التثنية في قوله: * (جعلا له شركاء) *.
قلنا: لأن ولده قسمان ذكر وأنثى فقوله: * (جعلا) * المراد منه الذكر والأنثى مرة عبر عنهما بلفظ التثنية لكونهما صنفين ونوعين، ومرة عبر عنهما بلفظ الجمع، وهو قوله تعالى: * (فتعالى الله عما يشركون) *.
الوجه الثالث: في الجواب سلمنا أن الضمير في قوله: * (جعلا له شركاء فيما آتاهما) * عائد إلى آدم وحواء عليهما السلام، إلا أنه قيل: إنه تعالى لما آتاهما الولد الصالح عزما على أن يجعلاه وقفا على خدمة الله وطاعته وعبوديته على الإطلاق. ثم بدا لهم في ذلك، فتارة كانوا ينتفعون به في مصالح الدنيا ومنافعها، وتارة كانوا يأمرونه بخدمة الله وطاعته. وهذا العمل وإن كان منا قربة وطاعة، إلا أن حسنات الأبرار سيئات المقربين، فلهذا قال تعالى: * (فتعالى الله عما يشركون) * والمراد من هذه الآية ما نقل عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال حاكيا عن الله سبحانه: " أنا أغنى الأغنياء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه " وعلى هذا التقدير: فالإشكال زائل.
الوجه الرابع: في التأويل أن نقول: سلمنا صحة تلك القصة المذكورة، إلا أنا نقول: إنهم سموا بعبد الحرث لأجل أنهم اعتقدوا أنه إنما سلم من الآفة والمرض بسبب دعاء ذلك الشخص المسمى بالحرث، وقد يسمى المنعم عليه عبدا للمنعم. يقال في المثل: أنا عبد من تعلمت منه حرفا، ورأيت بعض الأفاضل كتب على عنوان: كتابة عبد وده فلان. قال الشاعر: وإني لعبد الضيف ما دام ثاويا * ولا شيمة لي بعدها تشبه العبدا فآدم وحواء عليهما السلام سميا ذلك الولد بعبد الحرث تنبيها على أنه إنما سلم من الآفات ببركة دعائه، وهذا لا يقدح في كونه عبد الله من جهة أنه مملوكه ومخلوقه، إلا أنا قد ذكرنا أن حسنات الأبرار سيئات المقربين فلما حصل الاشتراك في لفظ العبد لا جرم صار آدم عليه السلام معاتبا في هذا العمل بسبب الاشتراك الحاصل في مجرد لفظ العبد، فهذا جملة ما نقوله في تأويل هذه الآية.
المسألة الثانية: في تفسير ألفاظ الآية وفيها مباحث:
البحث الأول: قوله: * (هو الذي خلقكم من نفس واحدة) * المشهور أنها نفس آدم وقوله: