وأزجر عن المعصية، ثم إنه تعالى أكد هذا المعنى فقال: * (لا يجليها لوقتها) * التجلية إظهار الشيء والتجلي ظهوره، والمعنى: لا يظهرها في وقتها المعين * (إلا هو) * أي لا يقدر على إظهار وقتها المعين بالإعلام والإخبار إلا هو.
ثم قال تعالى: * (ثقلت في السماوات والأرض) * والمراد وصف الساعة بالثقل ونظيره قوله تعالى: * (ويذرون وراءهم يوما ثقيلا) * (الإنسان: 27) وأيضا وصف الله تعالى زلزلة الساعة بالعظم فقال: * (إن زلزلة الساعة شيء عظيم) * (الحج: 1) ووصف عذابها بالشدة فقال: * (وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) * (الحج: 2).
إذا عرفت هذا فنقول: للمفسرين في تفسير قوله: * (ثقلت في السماوات والأرض) * وجوه: قال الحسن: ثقل مجيئها على السماوات والأرض، لأجل أن عند مجيئها شققت السماوات وتكورت الشمس والقمر وانتثرت النجوم وثقلت على الأرض لأجل أن في ذلك اليوم تبدل الأرض غير الأرض، وتبطل الجبال والبحار، وقال أبو بكر الأصم: إن هذا اليوم ثقيل جدا على أهل السماء والأرض، لأن فيه فناءهم وهلاكهم وذلك ثقيل على القلوب. وقال قوم: إن هذا اليوم عظيم الثقل على القلوب بسبب أن الخلق يعلمون أنهم يصيرون بعدها إلى البعث والحساب والسؤال والخوف من الله في مثل هذا اليوم شديد. وقال السدي: * (ثقلت) * أي خفيت في السماوات والأرض ولم يعلم أحد من الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين متى يكون حدوثها ووقوعها. وقال قوم: * (ثقلت في السماوات والأرض) * أي ثقل تحصيل العلم بوقتها المعين على أهل السماوات والأرض، وكما يقال في المحمول الذي يتعذر حمله أنه قد ثقل على حامله، فكذلك يقال في العلم الذي استأثر الله تعالى به أنه يثقل عليهم.
ثم قال: * (لا تأتيكم إلا بغتة) * وهذا أيضا تأكيد لما تقدم وتقرير لكونها بحيث لا تجيء إلا بغتة فجأة على حين غفلة من الخلق. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الساعة تفجأ الناس، فالرجل يصلح موضعه، والرجل يسقي ماشيته، والرجل يقوم بسلعته في سوقه. والرجل يخفض ميزانه ويرفعه " وروى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " والذي نفس محمد بيده لتقومن الساعة وإن الرجل ليرفع اللقمة إلى فيه حتى تحول الساعة بينه وبين ذلك ".
ثم قال تعالى: * (يسألونك كأنك حفي عنها) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: في الحفي وجوه: الأول: الحفي البار اللطيف قال ابن الأعرابي: يقال حفى بي حفاوة وتحفى بي تحفيا، والحفي الكلام واللقاء الحسن، ومنه قوله تعالى: * (إنه كان بي حفيا) * أي بارا لطيفا يجيب دعائي إذا دعوته، فعلى هذا التقدير يسألونك كأنك بار بهم لطيف العشرة معهم