أن القرآن ليس قديما قالوا: لأن الحديث ضد القديم، وأيضا فلفظ الحديث يفيد من جهة العادة حدوثه عن قرب، ولذلك يقال: إن هذا الشيء حديث، وليس بعتيق فيجعلون الحديث ضد العتيق الذي طال زمان وجوده، ويقال: في الكلام إنه حديث، لأنه يحدث حالا بعد حال على الأسماع.
وجوابنا عنه: أنه محمول على الألفاظ من الكلمات ولا نزاع في حدوثها. المطلب الرابع: أن النظر في ملكوت السماوات والأرض لا يكون إلا بعد معرفة أقسامها وتفصيل الكلام في شرح أقسامها، أن يقال كل ما سوى الله تعالى، فهو إما أن يكون متحيزا أو حالا في المتحيز أو لا متحيزا، ولا حالا في المتحيز، أما المتحيز فإما أن يكون بسيطا، وإما أن يكون مركبا، أما البسائط فهي إما علوية وإما سفلية، أما العلوية فهي الأفلاك والكواكب، ويندرج فيما ذكرناه العرش والكرسي، ويدخل فيه أيضا الجنة والنار، والبيت المعمور، والسقف المرفوع واستقص في تفصيل هذه الأقسام، وأما السفلية فهي: طبقات العناصر الأربعة، ويدخل فيها البحار والجبال والمفاوز، وأما المركبات فهي أربعة الآثار العلوية والمعادن والنبات والحيوان، واستقص في تفصيل أنواع هذه الأجناس الأربعة، وأما الحال في المتحيز وهي الأعراض، فيقرب أجناسها من أربعين جنسا، ويدخل تحت كل جنس أنواع كثيرة، ثم إذا تأمل العاقل في عجائب أحكامها ولوازمها وآثارها ومؤثراتها فكأنه خاض في بحر لا ساحل له.
وأما القسم الثالث: وهو أن الموجود لا يكون متحيزا ولا حالا في المتحيز، فهو قسمان، لأنه إما أن يكون متعلقا بأجسام بالتدبير والتحريك، وهو المسمى بالأرواح، وإما أن لا يكون كذلك، وهي الجواهر القدسية المبرأة عن علائق الأجسام. أما القسم الأول فأعلاها وأشرفها الأرواح الثمانية المقدسة الحاملة للعرش، كما قال تعالى: * (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) * (الحاقة: 17) ويتلوها الأرواح المقدسة المشارة إليها بقوله سبحانه: * (وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم) * ويتلوها سكان الكرسي، وإليهم الإشارة بقوله: * (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض) * (البقرة: 255) ويتلوها الأرواح المقدسة في طبقات السماوات السبع. وإليهم الإشارة بقوله: * (والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا) * (الصافات: 1 - 3) ومن صفاتهم، أنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويسبحون الليل والنهار لا يفترون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.
واعلم أن هذا الذي ذكرناه وفصلناه من ملك الله وملكوته كالقطرة في البحر فلعل الله سبحانه