معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون * فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون) *.
اعلم أن قوله: * (وإذ قالت) * معطوف على قوله: * (إذ يعدون) * وحكمه حكمه في الأعراب وقوله: * (أمة منهم) * أي جماعة من أهل القرية من صلحائهم الذين ركبوا الصعب والذلول في موعظة أولئك الصيادين حتى أيسوا من قبولهم لأقوام آخرين ما كانوا يقلعون عن وعظهم. وقوله: * (لم تعظون قوما الله مهلكهم) * أي مخترمهم ومطهر الأرض منهم * (أو معذبهم عذابا شديدا) * لتماديهم في الشر، وإنما قالوا ذلك لعلمهم أن الوعظ لا ينفعهم وقوله: * (قالوا معذرة إلى ربكم) * فيه بحثان:
البحث الأول: قرأ حفص عن عاصم * (معذرة) * بالنصب والباقون بالرفع، أما من نصب * (معذرة) * فقال الزجاج معناه: نعتذر معذرة، وأما من رفع فالتقدير: هذه معذرة أو قولنا معذرة وهي خبر لهذا المحذوف.
البحث الثاني: المعذرة مصدر كالعذر، وقال أبو زيد: عذرته أعذره عذرا ومعذرة، ومعنى عذره في اللغة أي قام بعذره، وقيل: عذره، يقال: من يعذرني أي يقوم بعذري، وعذرت فلانا فيما صنع أي قمت بعذره، فعلى هذا معنى قوله: * (معذرة إلى ربكم) * أي قيام منا بعذر أنفسنا إلى الله تعالى، فإنا إذا طولنا بإقامة النهي عن المنكر. قلنا: قد فعلنا فنكون بذلك معذورين، وقال الأزهري: المعذرة اسم على مفعلة من عذر يعذر وأقيم مقام الاعتذار. كأنهم قالوا: موعظتنا اعتذار إلى ربنا. فأقيم الاسم مقام الاعتذار، ويقال: اعتذر فلان اعتذارا وعذرا ومعذرة من ذنبه فعذرته، وقوله: * (ولعلهم يتقون) * أي وجائز عندنا أن ينتفعوا بهذا الوعظ فيتقوا الله ويتركوا هذا الذنب.
إذا عرفت هذا فنقول: في هذه الآية قولان:
القول الأول: أن أهل القرية منهم من صاد السمك وأقدم على ذلك الذنب ومنهم من لم يفعل ذلك، وهذا القسم الثاني صاروا قسمين: منهم من وعظ الفرقة المذنبة، وزجرهم عن ذلك الفعل، ومنهم من سكت عن ذلك الوعظ، وأنكروا على الواعظين وقالوا لهم: لم تعظوهم، مع العلم بأن