كانوا يظلمون) واعلم أن هذه الألفاظ متقاربة ولا منافاة بينها البتة، ويمكن ذكر فوائد هذه الألفاظ المختلفة.
أما الأول: وهو أنه قال في سورة البقرة: * (ادخلوا هذه القرية) * وقال ههنا: * (اسكنوا) * فالفرق أنه لا بد من دخول القرية أولا، ثم سكونها ثانيا.
وأما الثاني: فهو أنه تعالى قال في البقرة: * (ادخلوا هذه القرية فكلوا) * بالفاء. وقال ههنا: * (اسكنوا هذه القرية وكلوا) * بالواو والفرق أن الدخول حالة مخصوصة، كما يوجد بعضها ينعدم. فإنه إنما يكون داخلا في أول دخوله، وأما ما بعد ذلك فيكون سكونا لا دخولا.
إذا ثبت هذا فنقول: الدخول حالة منقضية زائلة وليس لها استمرار. فلا جرم يحسن ذكر فاء التعقيب بعده، فلهذا قال: * (ادخلوا هذه القرية) * وأما السكون فحالة مستمرة باقية. فيكون الأكل حاصلا معه لا عقيبه فظهر الفرق.
وأما الثالث: وهو أنه ذكر في سورة البقرة * (رغدا) * وما ذكره هنا فالفرق الأكل عقيب دخول القرية يكون ألذ، لأن الحاجة إلى ذلك الأكل كانت أكمل وأتم، ولما كان ذلك الأكل ألذ لا جرم ذكر فيه قوله: * (رغدا) * وأما الأكل حال سكون القرية، فالظاهر أنه لا يكون في محل الحاجة الشديدة ما لم تكن اللذة فيه متكاملة، فلا جرم ترك قوله: * (رغدا) * فيه.
وأما الرابع: وهو قوله في سورة البقرة: * (وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة) * وفي سورة الأعراف على العكس منه، فالمراد التنبيه على أنه يحسن تقديم كل واحد من هذين الذكرين على الآخر، إلا أنه لما كان المقصود منهما تعظيم الله تعالى، وإظهار الخضوع والخشوع لم يتفاوت الحال بحسب التقديم والتأخير.
وأما الخامس: وهو أنه قال في سورة البقرة: * (خطاياكم) * وقال ههنا: * (خطيئاتكم) * فهو إشارة إلى أن هذه الذنوب سواء كانت قليلة أو كثيرة، فهي مغفورة عند الإتيان بهذا الدعاء والتضرع.
وأما السادس: وهو أنه تعالى قال في سورة البقرة: * (وسنزيد) * بالواو وههنا حذف الواو فالفائدة في حذف الواو أنه استئناف، والتقدير: كان قائلا قال: وماذا حصل بعد الغفران؟ فقيل له * (سنزيد المحسنين) *.
وأما السابع: وهو الفرق بين قوله: * (أنزلنا) * وبين قوله: * (أرسلنا) * فلأن الإنزال لا يشعر بالكثرة، والإرسال يشعر بها، فكأنه تعالى بدأ بإنزال العذاب القليل، ثم جعله كثيرا، وهو نظير ما ذكرناه في الفرق بين قوله: * (فانبجست) * وبين قوله: * (فانفجرت) *.