أنه جعل الوقوف بعرفة هو الحج الأكبر لأنه معظم واجباته، لأنه إذا فات الحج، وكذلك إن أريد به يوم النحر، لأن ما يفعل فيه معظم أفعال الحج الأكبر. الثالث: قال الحسن: سمي ذلك اليوم بيوم الحج الأكبر لاجتماع المسلمين والمشركين فيه، وموافقته لأعياد أهل الكتاب، ولم يتفق ذلك قبله ولا بعده، فعظم ذلك اليوم في قلب كل مؤمن وكافر. طعن الأصم في هذا الوجه وقال: عيد الكفار فيه سخط، وهذا الطعن ضعيف، لأن المراد أن ذلك اليوم يو استعظمه جميع الطوائف، وكان من وصفه بالأكبر أولئك. والرابع: سمي بذلك لأن المسلمين والمشركين حجوا في تلك السنة. والخامس: الأكبر الوقوف بعرفة، والأصغر النحر، وهو قول عطاء ومجاهد. السادس: الحج الأكبر القران والأصغر الإفراد، وهو منقول عن مجاهد. ثم إنه تعالى بين أن ذلك الأذان بأي شيء كان؟ فقال: * (أن الله بريء من المشركين ورسوله) * وفيه مباحث:
البحث الأول: لقائل أن يقول: لا فرق بين قوله: * (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) * وبين قوله * (أن الله بريء من المشركين ورسوله) * فما الفائدة في هذا التكرير؟
والجواب عنه من وجوه:
الوجه الأول: أن المقصود من الكلام الأول الإخبار بثبوت البراءة، والمقصود من هذا الكلام إعلام جميع الناس بما حصل وثبت.
والوجه الثاني: أن المراد من الكلام الأول البراءة من العهد، ومن الكلام الثاني البراءة التي هي نقيض الموالاة الجارية مجرى الزجر والوعيد، والذي يدل على حصول هذا الفرق أن في البراءة الأولى برئ إليهم، وفي الثانية: برئ منهم، والمقصود أنه تعالى أمر في آخر سورة الأنفال المسلمين بأن يوالي بعضهم بعضا، ونبه به على أنه يجب عليهم أن لا يوالوا الكفار وأن يتبرؤا منهم، فههنا بين أنه تعالى كما يتولى المؤمنين فهو يتبرأ عن المشركين ويذمهم ويلعنهم، وكذلك الرسول، ولذلك أتبعه بذكر التوبة المزيلة للبراءة.
والوجه الثالث: في الفرق أنه تعالى في الكلام الأول، أظهر البراءة عن المشركين الذين عاهدوا ونقضوا العهد. وفي هذه الآية أظهر البراءة عن المشركين من غير أن وصفهم بوصف معين، تنبيها على أن الموجب لهذه البراءة كفرهم وشركهم.
البحث الثاني: قوله: * (أن الله بريء من المشركين) * فيه حذف والتقدير: * (وأذان من الله ورسوله) * بأن الله بريء من المشركين إلا أنه حذف الباء لدلالة الكلام عليه.