منهم من قال: يصرف سهم الله إلى الرسول، ومنهم من قال: يصرف إلى عمارة الكعبة. وقال بعضهم: إنه عليه السلام كان يضرب يده في هذا الخمس، فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة، وهو الذي سمى لله تعالى.
والقائلون بالقول الأول أجابوا عنه: بأن قوله: * (لله) * ليس المقصود منه أثبات نصيب لله. فإن الأشياء كلها ملك لله، وملكه وإنما المقصود منه افتتاح الكلام بذكر الله على سبيل التعظيم، كما في قوله: * (قل الأنفال لله والرسول) * واحتج القفال على صحة هذا القول بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال لهم في غنائم خيبر: " مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم " فقوله: مالي إلا الخمس يدل على أن سهم الله وسهم الرسول واحد، وعلى الإضمام سهمه السدس لا الخمس، وإن قلنا: إن السهمين يكونان للرسول. صار سهمه أزيد من الخمس، وكلا القولين ينافي ظاهر قوله: " مالي إلا الخمس " هذا هو الكلام في قسمة خمس الغنيمة، وأما الباقي وهو أربعة أخماس الغنيمة فهي للغانمين. لأنهم الذين حازوه واكتسبوه كما يكتسب الكلأ بالاحتشاش، والطير بالاصطياد، والفقهاء استنبطوا من هذه الآية مسائل كثيرة مذكورة في كتب الفقه.
المسألة الرابعة: دلت الآية على أنه يجوز قسمة الغنائم في دار الحرب، كما هو قول الشافعي رحمه الله، والدليل عليه: أن قوله: * (فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) * يقتضي ثبوت الملك لهؤلاء في الغنيمة، وإذا حصل الملك لهم فيه، وجب جواز القسمة لأنه لا معنى للقسمة على هذا التقدير إلا صرف الملك إلى المالك، وذلك جائز بالاتفاق.
المسألة الخامسة: اختلفوا في ذوي القربى. قيل: هم بنو هاشم. وقال الشافعي رحمه الله: هم بنو هاشم وبنو المطلب. واحتج بالخبر الذي رويناه. وقيل: آل علي، وجعفر، وعقيل، وآل عباس، وولد الحرث بن عبد المطلب، وهو قول أبي حنيفة.
المسألة السادسة: حكى صاحب " الكشاف " عن الكلبي: أن هذه الآية نزلت ببدر. وقال الواقدي رحمه الله: كان الخمس في غزوة بني قينقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام للنصف من شوال على رأس عشرين شهرا من الهجرة.
ثم قال تعالى: * (إن كنتم آمنتم بالله) * والمعنى اعلموا أن خمس الغنيمة مصروف إلى هذه الوجوه الخمسة فاقطعوا عنه أطماعكم واقنعوا بالأخماس الأربعة * (إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا) * يعني: إن كنتم آمنتم بالله وبالمنزل على عبدنا يوم الفرقان، يوم بدر. والجمعان: الفريقان من المسلمين والكافرين، والمراد منه ما أنزل عليه من الآيات، والملائكة، والفتح في ذلك اليوم * (والله على كل شيء قدير) * أي يقدر على نصركم وأنتم قليلون ذليلون والله أعلم.