قالوا هزم الناس سراقة، فبلغ ذلك سراقة فقال: والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم. فعند ذلك تبين للقوم أن ذلك الشخص ما كان سراقة بل كان شيطانا.
فإن قيل: فإذا حضر إبليس لمحاربة المؤمنين. ومعلوم أنه في غاية القوة، فلم لم يهزموا جيوش المسلمين؟
قلنا: لأنه رأى في جيش المسلمين جبريل مع ألف من الملائكة، فلهذا السبب خاف وفر.
فإن قيل: فعلى هذا الطريق وجب أن ينهزم جميع جيوش المسلمين لأنه يتشبه بصورة البشر ويحضر ويعين جمع الكفار ويهزم جموع المسلمين، والحاصل: أنه إن قدر على هذا المعنى فلم لا يفعل ذلك في سائر وقائع المسلمين؟ وإن لم يقدر عليه فكيف أضفتم إليه هذا العمل في واقعة بدر؟
الجواب: لعله تعالى إنما غير صورته إلى صورة البشر في تلك الواقعة أما في سائر الوقائع فلا يفعل ذلك التغيير. السؤال الثاني: أنه تعالى لما غير صورته إلى صورة البشر فما بقي شيطانا بل صار بشرا. الجواب أن الإنسان إنما كان إنسانا بجوهر نفسه الناطقة، ونفوس الشياطين مخالفة لنفوس البشر فلم يلزم من تغيير الصورة تغيير الحقيقة، وهذا الباب أحد الدلائل السمعية على أن الإنسان ليس إنسانا بحسب بنيته الظاهرة وصورته المخصوصة.
السؤال الثالث: ما معنى قول الشيطان * (لا غالب لكم اليوم من الناس) * وما الفائدة في هذا الكلام مع أنهم كانوا كثيرين غالبين؟
والجواب: أنهم وإن كانوا كثيرين في العدد إلا أنهم كانوا يشاهدون أن دولة محمد عليه الصلاة والسلام كل يوم في الترقي والتزايد، ولأن محمدا كلما أخبر عن شيء فقد وقع فكانوا لهذا السبب خائفين جدا من قوم محمد صلى الله عليه وسلم، فذكر إبليس هذا الكلام إزالة للخوف عن قلوبهم، ويحتمل أن يكون المراد أنه كان يؤمنهم من شر بني بكر بن كنانة خصوصا وقد تصور بصورة زعيم منهم، وقال: * (إني جار لكم) * والمعنى: إني إذا كنت وقومي ظهيرا لكم فلا يغلبكم أحد من الناس ومعنى الجار ههنا: الدافع عن صاحبه أنواع الضرر كما يدفع الجار عن جاره، والعرب تقول: أنا جار لك من فلان أي حافظ من مضرته فلا يصل إليك مكروه منه.
ثم قال تعالى: * (فلما تراءت الفئتان) * أي التقى الجمعان بحيث رأت كل واحدة الأخرى نكص على عقيبه، والنكوص الأحجام عن الشيء، والمعنى: رجع وقال: إني أرى مالا ترون، وفيه