للرحم وأفجر، فأهلكه الغداة، وقال السدي: إن المشركين لما أرادوا الخروج إلى بدر أخذوا أستار الكعبة وقالوا اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين وأفضل الدينين، فأنزل الله هذه الآية، والمعنى: إن تستفتحوا أي تستنصروا لأهدى الفئتين وأكرم الحزبين، فقد جاءكم النصر. وقال آخرون: أن تستقضوا فقد جاءكم القضاء.
والقول الثاني: أنه خطاب للمؤمنين، روي أنه عليه السلام لما رأى المشركين وكثرة عددهم استغاث بالله، وكذلك الصحابة وطلب ما وعده الله به من إحدى الطائفتين وتضرع إلى الله فقال: * (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) * والمراد أنه طلب النصرة التي تقدم بها الوعد، فقد جاءكم الفتح، أي حصل ما وعدتم به فاشكروا الله والزموا طاعته. قال القاضي: وهذا القول أولى لأن قوله: * (فقد جاءكم الفتح) * لا يليق إلا بالمؤمنين، أما لو حملنا الفتح على البيات والحكم والقضاء، لم يمتنع أن يراد به الكفار.
أما قوله: * (وإن تنتهوا فهو خير لكم) * فتفسير هذه الآية، يتفرع على ما ذكرنا من أن قوله: * (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) * خطاب للكفار أو للمؤمنين.
فإن قلنا: إن ذلك خطاب للكفار، كان تأويل هذه الآية إن تنتهوا عن قتال الرسول وعداوته وتكذيبه فهو خير لكم، أما في الدين فبالخلاص من العقاب والفوز بالثواب. وأما في الدنيا فبالخلاص من القتل والأسر والنهب.
ثم قال: * (وإن تعودوا) * أي إلى القتال * (نعد) * أي نسلطهم عليكم، فقد شاهدتم ذلك يوم بدر وعرفتم تأثير نصرة الله للمؤمنين عليكم * (ولن تغني عنكم فئتكم) * أي كثرة الجموع كما لم يغن ذلك يوم بدر. وأما إن قلنا إن ذلك خطاب للمؤمنين كان تأويل هذه الآية وإن تنتهوا عن المنازعة في أمر الأنفال وتنتهوا عن طلب الفداء على الأسرى فقد كان وقع منهم نزاع يوم بدر في هذه الأشياء حتى عاتبهم الله بقوله: * (لولا كتاب من الله سبق) * (الأنفال: 68) فقال تعالى: * (إن تنتهوا) * عن مثله * (فهو خير لكم وإن تعودوا) * إلى تلك المنازعات * (نعد) * إلى ترك نصرتكم لأن الوعد بنصرتكم مشروط بشرط استمراركم على الطاعة وترك المخالفة، ثم لا تنفعكم الفئة والكثرة، فإن الله لا يكون إلا مع المؤمنين الذين لا يرتكبون الذنوب.
واعلم أن أكثر المفسرين حملوا قوله: * (إن تستفتحوا) * على أنه خطاب للكفار، واحتجوا بقوله تعالى: * (وإن تعودوا نعد) * فظنوا أن ذلك لا يليق إلا بالقتال، وقد بينا أن ذلك يحتمل الحمل على ما ذكرناه من أحوال المؤمنين، فسقط هذا الترجيح.