وسكناه بالحق، أي إخراجا متلبسا بالحكمة والصواب * (وإن فريقا من المؤمنين لكارهون) * في محل الحال، أي أخرجك في حال كراهيتهم. روي أن عير قريش أقبلت من الشام وفيها أموال كثيرة ومعها أربعون راكبا منهم أبو سفيان، وعمرو بن العاص، وأقوام آخرون، فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبر المسلمين فأعجبهم تلقي العير لكثرة الخير، وقلة القوم، فلما أزمعوا وخرجوا، بلغ أهل مكة خبر خروجهم، فنادى أبو جهل فوق الكعبة: يا أهل مكة النجاء النجاء على كل صعب وذلول! إن أخذ محمد عيركم لن تفلحوا أبدا، وقد رأت أخت العباس بن عبد المطلب رؤيا، فقالت لأخيها: إني رأيت عجبا رأيت كأن ملكا نزل من السماء فأخذ صخرة من الجبل، ثم حلق بها فلم يبق بيت من بيوت مكة إلا أصابه حجر من تلك الصخرة. فحدث بها العباس. فقال أبو جهل: ما ترضى رجالهم بالنبوة حتى ادعى نساؤهم النبوة! فخرج أبو جهل بجميع أهل مكة وهم النفير، وفي المثل السائر - لا في العير ولا في النفير - فقيل له: العير أخذت طريق الساحل ونجت، فارجع إلى مكة بالناس. فقال: لا والله لا يكون ذلك أبدا حتى ننحر الجزور ونشرب الخمور، وتغني القينات والمعازف ببدر فتتسامع جميع العرب بخروجنا، وإن محمدا لم يصب العير فمضى إلى بدر بالقوم. وبدر كانت العرب تجتمع فيه لسوقهم يوما في السنة، فنزل جبريل وقال: يا محمد إن الله وعدكم إحدى الطائفتين، إما العير وإما النفير من قريش، واستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال: " ما تقولون إن القوم خرجوا من مكة على كل صعب وذلول. فالعير أحب إليكم أم النفير؟ قالوا بل العير أحب إلينا من لقاء العدو. فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن العير قد مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل فقالوا يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو، فقام عند غضب النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر فأحسنا، ثم قام سعد بن عبادة فقال امض إلى ما أمرك الله به فإنا معك حيثما أردت. فوالله لو سرت إلى عدن لما تخلف عنك رجل من الأنصار. ثم قال المقداد بن عمرو: يا رسول الله امض إلى ما أمرك الله به، فإنا معك حيثما أردت، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: * (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) * (المائدة: 24) ولكنا نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ما دامت منا عين تطرف. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: " سيروا على بركة الله والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم "، ولما فرغ رسول الله من بدر، قال بعضهم: عليك بالعير. فناداه العباس وهو في وثاقه، لا يصلح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لم؟ قال: لأن الله وعدك إحدى الطائفتين، وقد أعطاك ما وعدك.
(١٢٦)