صار لي فخذه " قال القاضي: وكل هذه الوجوه تحتمله الآية، وليس فيها دليل على ترجيح بعضها على بعض. وإن صح في الأخبار ما يدل على التعين قضى به، وإلا فالكل محتمل، وكما أن كل واحد منها جائز، فكذلك إرادة الجميع جائزة فإنه لا تناقض بينها، والأقرب أن يكون المراد بذلك ماله عليه السلام أن ينفل غيره من جملة الغنيمة قبل حصولها وبعد حصولها، لأنه يسوغ له تحريضا على الجهاد وتقوية للنفوس كنحو ما كان ينفل واحدا في ابتداء المحاربة. ليبالغ في الحرب. أو عند الرجعة. أو يعطيه سلب القاتل، أو يرضخ لبعض الحاضرين، وينفله من الخمس الذي كان عليه السلام يختص به. وعلى هذا التقدير فيكون قوله: * (قل الأنفال لله والرسول) * المراد الأمر الزائد على ما كان مستحقا للمجاهدين.
أما قوله تعالى: * (قل الأنفال لله والرسول) * ففيه بحثان:
البحث الأول: المراد منه أن حكمها مختص بالله والرسول يأمره الله بقسمتها على ما تقتضيه حكمته، وليس الأمر في قسمتها مفوضا إلى رأي أحد.
البحث الثاني: قال مجاهد وعكرمة والسدي: إنها منسوخة بقوله فإن لله خمسه وللرسول، وذلك لأن قوله: * (قل الأنفال لله والرسول) * يقتضي أن تكون الغنائم كلها للرسول، فنسخها الله بآيات الخمس وهو قول ابن عباس في بعض الروايات، وأجيب عنه من وجوه: الأول: أن قوله: * (قل الأنفال لله والرسول) * معناه أن الحكم فيها لله وللرسول. وهذا المعنى باق فلا يمكن أن يصير منسوخا، ثم إنه تعالى حكم بأن يكون أربعة أخماسها ملكا للغانمين. الثاني: أن آية الخمس. تدل على كون الغنيمة ملكا للغانمين، والأنفال ههنا مفسرة لا بالغنائم، بل بالسلب. وإنما ينفله الرسول عليه السلام لبعض الناس لمصلحة من المصالح.
ثم قال تعالى: * (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) * وفيه بحثان:
البحث الأول: معناه فاتقوا عقاب الله ولا تقدموا على معصية الله، واتركوا المنازعة والمخاصمة بسبب هذه الأحوال. وارضوا بما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
البحث الثاني: في قوله: * (وأصلحوا ذات بينكم) * أي وأصلحوا ذات بينكم من الأقوال، ولما كانت الأقوال واقعة في البين، قيل لها ذات البين، كما أن الأسرار لما كانت مضمرة في الصدور قيل لها ذات الصدور.
ثم قال: * (وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين) * والمعنى أنه تعالى نهاهم عن مخالفة حكم الرسول بقوله: * (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) * ثم أكد ذلك بأن أمرهم بطاعة الرسول بقوله: * (وأطيعوا