ما سترته جن وأجن، ويقال أيضا جنه الليل، ولكن الاختيار جن عليه الليل، وأجنه الليل، هذا قول جميع أهل اللغة، ومعنى (جن) ستر ومنه الجنة والجن والجنون والجان والجنين والمجن والجنن والمجن، وهو المقبور، والمجنة كل هذا يعود أصله إلى الستر والاستتار، وقال بعض النحويين (جن عليه الليل) إذا أظلم عليه الليل. ولهذا دخلت على عليه كما تقول في أظلم. فاما جنه فستره من غير تضمين معنى (أظلم) المسألة الثالثة) أعلم أن أكثر المفسرين ذكروا أن ملك ذلك الزمان رأى رؤيا وعبرها المعبرون بأنه يولد غلام ينازعه في ملكه، فأمر ذلك الملك بذبح كل غلام يولد فحبلت أم إبراهيم به وما أظهرت حبلها للناس فلما جاءها الطلق ذهبت إلى كهف في جبل ووضعت إبراهيم وسدت الباب بحجر فجاء جبريل عليه السلام ووضع أصبعه في قمه فمضه فخرج منه رزقه وكان يتعهده جبريل عليه السلام، فكانت الام تأتيه أحيانا وترضعه وبقى على هذه الصفة حتى كبر وعقل وعرف أن له ربا، فسأل الام فقال لها: من ربى؟ فقال أنا فقال: ومن ربك؟ قال أبوك فقال للأب:
ومن ربك؟ فقال: ملك البلد. فعرف إبراهيم عليه السلام جهلها بربهما فنظر من باب ذلك الغار ليرى شيئا يستدل به على وجود الرب سبحانه فرأى النجم الذي هو أضواء النجوم في السماء فقال:
هذا ربى إلى آخر القصة. ثم القائلون بهذا القول اختلفوا، فمنهم من قال: ان هذا كان بعد البلوغ وجريان قلم التكليف عليه، ومنهم من قال: ان هذا كان قبل البلوغ. واتفق أكثر المحققين على فساد القول الأول واحتجوا عليه بوجوه:
(الحجة الأولي) أن القول بربوبية النجم كفر بالاجماع والكفر غير جائز بالاجماع على الأنبياء.
(الحجة الثانية) أن إبراهيم عليه السلام كان قد عرف ربه قبل هذه الواقعة بالدليل. الدليل على صحة ما ذكرناه أنه تعالى أخبر عنه أنه قال قبل هذه الواقعة لأبيه آزر (أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين) (الحجة الثالثة) أنه تعالى حكى عنه أنه دعا أباه إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام بالرفق حيث قال (يا أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا) وحكى في هذا الموضع أنه دعاء أباه إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام بالكلام الخشن واللفظ الموحش. ومن المعلوم أن من دعا غيره إلى الله تعالى فإنه يقدم الرفق على العنف واللين على الغلظ ولا يخوض في التعنيف وال تغليط إلا بعد المدة المديدة واليأس التام. فدل هذا على أن هذا الواقعة انما وقعت بعد أن دعا أباه إلى التوحيد