خالقا للسماء والأرض، بل لا بد وأن يكون لهم فيه تأويل، والعلماء ذكروا فيه وجوها كثيرة وقد ذكرنا هذا البحث في أول سورة البقرة، ولا بأس بأن نعيده ههنا تكثيرا للفوائد.
فالتأويل الأول: وهو الأقوى أن الناس رأوا تغيرات أحوال هذا العالم الأسفل مربوطة بتغيرات أحوال الكواكب، فإن بحسب قرب الشمس وبعدها من سمت الرأس تحدث الفصول الأربعة، وبسبب حدوث الفصول الأربعة تحدث الأحوال المختلفة في هذا العالم، ثم إن الناس ترصدوا أحوال سائر الكواكب فاعتقدوا ارتباط السعادات والنحوسات بكيفية وقوعها في طوالع الناس على أحوال مختلفة فلما اعتقدوا ذلك غلب على ظنون أكثر الخلق أن مبدأ حدوث الحوادث في هذا العالم هو الاتصالات الفلكية والمناسبات الكوكبية فلما اعتقدوا ذلك بالغوا في تعظيمها ثم منهم من اعتقد أنها واجبة الوجود لذواتها ومنهم من اعتقد حدوثها وكونها مخلوقة للإله الأكبر، إلا أنهم قالوا إنها وإن كانت مخلوقة للإله الأكبر، إلا أنها هي المدبرة لأحوال هذا العالم وهؤلاء هم الذين أثبتوا الوسائط بين الإله الأكبر، وبين أحوال هذا العالم. وعلى كلا التقديرين فالقوم اشتغلوا بعبادتها وتعظيمها ثم إنهم لما رأوا أن هذه الكواكب قد تغيب عن الأبصار في أكثر الأوقات اتخذوا لكل كوكب صنما من الجوهر المنسوب إليه واتخذوا صنم الشمس من الذهب وزينوه بالأحجار المنسوبة إلى الشمس وهي الياقوت والألماس واتخذوا صنم القمر من الفضة وعلى هذا القياس ثم أقبلوا على عبادة هذه الأصنام وغرضهم من عبادة هذه الأصنام هو عبادة تلك الكواكب والتقرب إليها وعند هذا البحث يظهر أن المقصود الأصلي من عبادة هذه الأصنام هو عبادة الكواكب. وأما الأنبياء صلوات الله عليهم فلهم ههنا مقامان: أحدهما: إقامة الدلائل على أن هذه الكواكب لا تأثير لها البتة في أحوال هذا العالم كما قال الله تعالى: * (ألا له الخلق والأمر) * (الأعراف: 54) بعد أن بين في الكواكب أنها مسخرة. والثاني: أنها بتقدير أنها تفعل شيئا ويصدر عنها تأثيرات في هذا العالم إلا أن دلائل الحدوث حاصلة فيها فوجب كونها مخلوقة والاشتغال بعبادة الأصل أولى من الاشتغال بعبادة الفرع، والدليل على أن حاصل دين عبدة الأصنام ما ذكرناه أنه تعالى لما حكى عن الخليل صلوات الله عليه أنه قال لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة؟ إني أراك وقومك في ضلال مبين فأفتى بهذا الكلام أن عبادة الأصنام جهل، ثم لما اشتغل بذكر الدليل أقام الدليل على أن الكواكب والقمر والشمس لا يصلح شيء منها للإلهية وهذا يدل على أن دين عبدة الأصنام حاصله يرجع إلى القول بإلهية هذه الكواكب وإلا لصارت هذه الآية متنافية متنافرة. وإذا عرفت هذا ظهر أنه لا طريق إلى إبطال القول بعبادة الأصنام إلا بإبطال كون الشمس والقمر