الحجة الحادية عشر: أنه تعالى حكى عنه أنه قال للقوم: * (وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله) * وهذا يدل على أن القوم كانوا خوفوه بالأصنام، كما حكى عن قوم هود عليه السلام أنهم قالوا له: * (إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء) * (هود: 54) ومعلوم أن هذا الكلام لا يليق بالغار.
الحجة الثانية عشرة: أن تلك الليلة كانت مسبوقة بالنهار، ولا شك أن الشمس كانت طالعة في اليوم المتقدم، ثم غربت، فكان ينبغي أن يستدل بغروبها السابق على أنها لا تصلح للإلهية، وإذا بطل بهذا الدليل صلاحية الشمس للإلهية بطل ذلك أيضا في القمر والكوكب بطريق الأولى هذا إذا قلنا: إن هذه الواقعة كان المقصود منها تحصيل المعرفة لنفسه. أما إذا قلنا المقصود منها إلزام القوم وإلجاؤهم، فهذا السؤال غير وارد لأنه يمكن أن يقال أنه إنما اتفقت مكالمته مع القوم حال طلوع ذلك النجم، ثم امتدت المناظرة إلى أن طلع القمر وطلعت الشمس بعده وعلى هذا التقدير، فالسؤال غير وارد، فثبت بهذه الدلائل الظاهرة أنه لا يجوز أن يقال إن إبراهيم عليه السلام قال على سبيل الجزم: هذا ربي. وإذا بطل هذا بقي ههنا احتمالان: الأول: أن يقال هذا كلام إبراهيم عليه السلام بعد البلوغ ولكن ليس الغرض منه إثبات ربوبية الكوكب بل الغرض منه أحد أمور سبعة. الأول: أن يقال إن إبراهيم عليه السلام لم يقل هذا ربي، على سبيل الأخبار، بل الغرض منه أنه كان يناظر عبدة الكوكب وكان مذهبهم أن الكوكب ربهم وإلههم، فذكر إبراهيم عليه السلام ذلك القول الذي قالوه بلفظهم وعبارتهم حتى يرجع إليه فيبطله، ومثاله: أن الواحد منا إذا ناظر من يقول بقدم الجسم، فيقول: الجسم قديم؟ فإذا كان كذلك، فلم نراه ونشاهده مركبا متغيرا؟ فهو إنما قال الجسم قديم إعادة لكلام الخصم حتى يلزم المحال عليه، فكذا ههنا قال: * (هذا ربي) * والمقصود منه حكاية قول الخصم، ثم ذكر عقيبه ما يدل على فساده وهو قوله: * (لا أحب الآفلين) * وهذا الوجه هو المتعمد في الجواب، والدليل عليه: أنه تعالى دل في أول الآية على هذه المناظرة بقوله تعالى: * (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه) *.
والوجه الثاني في التأويل: أن نقول قوله: * (هذا ربي) * معناه هذا ربي في زعمكم واعتقادكم ونظيره أن يقول الموحد للمجسم على سبيل الاستهزاء: أن إلهه جسم محدود أي في زعمه واعتقاده قال تعالى: * (وانظر إلى الهك الذي ظلت عليه عاكفا) * (طه: 97) وقال تعالى: * (ويوم يناديهم فيقول أين شركائي) * (القصص: 62) وكان صلوات الله تعالى عليه يقول: " يا إله الآلهة ". والمراد أنه تعالى إله الآلهة في زعمهم وقال: * (ذق إنك أنت العزيز الكريم) * (الدخان: 49) أي عند نفسك.
والوجه الثالث في الجواب: أن المراد منه الاستفهام على سبيل الإنكار إلا أنه أسقط