عند نزع الروح، فهؤلاء الكفار تكرههم الملائكة على نزع الروح:
المسألة الثانية: الذين قالوا إن النفس الإنسانية شيء غير هذا الهيكل وغير هذا الجسد احتجوا عليه بهذه الآية، وقالوا: لا شك أن قوله: * (أخرجوا أنفسكم) * معناه: أخرجوا أنفسكم عن أجسادكم، وهذا يدل على أن النفس مغايرة للأجساد إلا أنا لو حملنا الآية على الوجهين الأولين من التأويلات الخمسة المذكورة، لم يتم هذا الاستدلال.
ثم قال تعالى: * (اليوم تجزون عذاب الهون) * قال الزجاج: عذاب الهون أي العذاب الذي يقع به الهوان الشديد. قال تعالى: * (أيمسكه على هون أم يدسه في التراب) * (النحل: 59) والمراد منه أنه تعالى جمع هناك بين الإيلام وبين الإهانة، فإن الثواب شرطه أن يكون منفعة مقرونة بالتعظيم، فكذلك العقاب شرطه أن يكون مضرة مقرونة بالإهانة. قال بعضهم: الهون هو الهوان، والهون هو الرفق والدعة. قال تعالى: * (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) * (الفرقان: 63) وقوله: * (بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون) * (الأنعام: 93) وذلك يدل أن هذا العذاب الشديد إنما حصل بسبب مجموع الأمرين الافتراء على الله، والتكبر على آيات الله. وأقول: هذان النوعان من الآفات والبلاء ترى أكثر المتوسمين بالعلم متوغلين فيه مواظبين عليه نعوذ بالله منه ومن آثاره ونتائجه. وذكر الواحدي: أن المراد بقوله: * (وكنتم عن آياته تستكبرون) * أي لا تصلون له قال عليه السلام: " من سجد لله سجدة بنية صادقة فقد برئ من الكبر ".
قوله تعالى * (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعآءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركآء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون) *.
اعلم أن قوله: * (ولقد جئتمونا فرادى) * يحتمل وجهين: الأول: أن يكون هذا معطوفا على قول الملائكة * (أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون) * فبين تعالى أنهم كما يقولون ذلك على وجه التوبيخ، كذلك يقولون حكاية عن الله تعالى: * (ولقد جئتمونا فرادى) * فيكون الكلام أجمع حكاية عنهم وأنهم يوردون ذلك على هؤلاء الكفار، وعلى هذا التقدير،